ففى عام ٣١٧ ه لم يشعروا الحجاج يوم «التروية» بمكة إلا وقد وافاهم ـ عدو الله ـ أبو طاهر القرمطى فى عسكر جرار ، فدخلوا بخيلهم وسلاحهم إلى المسجد الحرام ، ووضعوا السيف فى الطائفين ، والمصلين ، والمحرمين ، مجردين فى إحرامهم إلى أن قتلوا فى المسجد الحرام ، وفى مكة ، وفى شعابها زهاء ثلاثين ألف إنسان.
وتلك مصيبة ما أصيب الإسلام بمثلها.
وركض أبو طاهر بسيفه مشهورا فى يده ـ وهو سكران ـ يسفر بفرسه عند البيت الشريف فبال ، وراث! ، والحجاج يطوفون ببيت الله الحرام ، والسيوف تنوشهم إلى أن قتل ـ فى المطاف الشريف ـ ألف وسبعمائة طائف محرم ، ولم يقطع طوافه على بن بويه ، وجعل يقول ، وهو ينشد :
ترى المحبين صرعى فى ديارهم |
|
كفتية الكهف لا يدرون ما لبثوا |
والسيوف تقفوه إلى أن سقط ميتا (رحمهالله تعالى) وطمت بامتلاء الشهداء بئر زمزم وما بمكة من آبار وحفر ، وقد ملئت بهم ، وطلع أبو الطاهر إلى باب الكعبة وقلع بابها وصار يقول : «أنا بالله وبالله أنا ، يخلق الخلق وأفنيهم أنا ، وصاح فى الحجاج : يا حمير! أنتم ، تقولون : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) فأين الأمان؟! ، وقد فعلنا فأخذ شخص بلجام فرسه ، وقال ـ وقد استسلم للقتل ـ : «ليس معنى الآية الشريفة ما ذكرت ، وإنما معناها : «ومن دخل فأمنوه» ، فولاه أبو طاهر عنان فرسه عنه ولم يلنفت إليه وصانه الله تعالى ببركته بذل نفسه فى سبيل الله تعالى والرد على هذا الكافر ـ أخزاه الله تعالى ـ.
وأراد قلع الميزاب ، وكان من ذهب ، فاطلع قرمطيا يقلعه فأصيب بسهم من جبل بى قبيس فأخطأ نحره وخر ميتا ، وأمر آخر مكانه فسقط من فوق إلى أسفل على رسه ، فهاب الثالث عن الإقدام على القلع فمضى أبو طاهر وتركه ـ على رغم أنفه ـ وقال : اتركوه حتى يأتى صاحبه ـ يعنى المهدى الذى يزعم أنه يخرج فيهم ـ.