وقلع ذلك الكافر قبة زمزم ، وباب زمزم والكعبة ، وأقام بمكة أحد عشر يوما ، وقيل : ستة أيام ، ثم انصرف إلى بلد هجر ، وحمل معه الحجر الأسود يريد أن يحول الحج إلى مسجد الضرار الذى سماه «دار الهجرة» ، وعلته فى الأسطوانة السابعة مما يلى صخر الجامع من الجانب الغربى من المسجد ، وبقى موضع الحجر الأسود من البيت الشريف خاليا يضع الناس أيديهم فيه ويلتمسون تبركا بمحله.
وأمر هذا الفاجر أن يخطب بعبيد الله المهدى أول الخلفاء العبيديين الفاطميين ، وكان أول ظهوره فبلغ عبيد الله المذكور ذلك فكتب إليه : «إن أعجب العجاب إرسالك ـ بكتبك ـ إلينا مهيبنا بما ارتكبت فى بلد الله الأمين من انتهاك حرمة بيت الله الحرام الذى لم يذل محترما فى الجاهلية والإسلام ، وسفكت فيه دماء المسلمين ، وفتكت بالحجاج والمعتمرين وتعديت وتجرأت على بيت الله تعالى وقلعت الحجر الأسود الذى هو يمين الله فى الأرض يصافح به عباده وحملته إلى منزلك ورجوت أن أشكرك على ذلك ، فلعنك الله ثم لعنك ثم لعنك والسلام على من سلم المسلمون من لسانه ويده ، وقدم فى يومه ما ينجو به فى غده.
فلما وصل كتاب عبيد الله المهدى إلى طاهر القرمطى وعلم ما فيه انحرف عن طاعته واستمر الحجر عندهم أكثر من عشرين سنة ، يستجلبون به الناس طمعا أن يتحول الحج إلى بلدتهم ـ وبأبى الله ذلك ـ والإسلام وشريعة محمد (عليه أفضل الصلاة والسلام) ، وهذه من أعظم مصائب الإسلام وأشدها وهنا فى الدين من أولئك الكفرة اللئام ذابت لها أكباد العباد ، وعمت فتنتها فى الحاضر والباد إلى أن دمر الله تعالى تلك الطائفة القاهرة وابتلى أبو طاهر النجس هذا بالأكلة ، فصار يتناثر لحمه بالدود ، ومات أشقى ميتة إلى دار الخلود وتعذب بأنواع البلاء فى الدنيا : (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى)(١).
ولما أيست القرامطة من تحويل الحجاج حجهم إلى هجر ردوا الحجر الأسود إلى محله.
__________________
(١) الآية رقم ١٢٧ من سورة طه ، مكية.