وورد سنير بن الحسين القرمطى إلى مكة فى يوم النحر يوم الثلاثاء عاشر ذى الحجة سنة ٣٣٩ ه ، ومعه الحجر الأسود ، فلما صار بفناء الكعبة حضر معه أمير مكة ـ يومئذ ـ وهو ـ ظنا ـ أبو جعفر محمد بن الحسن بن عبد الله ابن عبد العزيز ، فأظهر سفطا أخرج منه الحجر الأسود وعليه ضباب من فضة فى طوله وعرضه يضبط شقوقات حدثت فيه بعد قلعه.
وأحضر معه جصا يشده به فوضع حسن بن المروق البنّاء الحجر فى مكانه الذى قلع منه ، وقيل : بل وضعه «سنبر» بيده ، وقال : «أخذناه بقدرة الله تعالى وأعدناه بمشيئته ، وقد أخذناه بأمر ورددناه بأمره».
ونظر الناس إلى الحجر فقبلوه واستلموه ، وحمدوا الله تعالى ، وحضر ذلك محمد بن شافع الخزاعى ، ونظر إلى الحجر الأسود وتزمله ، فإذا السواد فى رسه دون سائره وسائره أبيض ، وحضر معهم ممن حج تلك السنة محمد بن عبد الملك بن صفوان الأندلسى ، وشهد ردّ الحجر إلى مكانه.
ولما أعيد الحجر الأسود إلى مكة حمله على قعود هزيل فسمن ، وكان لما مضوا به مات تحته أربعون جملا ، وكانت مدة استمراره عند القرامطة اثنين وعشرين سنة إلا أربعة أيام.
وكان المنصور بن القائم بني المهدى العبيدى أرسل أحمد بن أبى سعيد القرمطى ـ أخا طاهر ـ بخمسين ألف ذهب فى الحجر الأسود لرده فلم يفعل وبذل حكم التركى مدير الخلافة خمسين ألف دينار للقرامطة على رد الحجر وقالوا : «أخذناه بأمر ولا نرده إلا بأمر»! إلى أن أراد الله تعالى رده على الوجه الذى ذكرناه.
وفى التواريخ صور أخر لهذه القصة رأيناها متناقضة ، وهذا أصح ما روى فيها فاعتمدنا عليه فعض عليه بالنواجذ.
ثم إن الحجبة خافوا على الحجر الأسود من استطالة يد خائن إليه بعدم استحكام بنائه فقلعوه وجعلوه فى البيت الشريف حفظا له وصنا عمن أراده بسوء ، ثم أمروا صائغين فصنعوا له طوقا من فضة وزينة ثلاثة آلاف وسبع