بلين المهاد ساكنون على سفط بغداد فى ظل تخين وماء معين وفاكهة وشراب واجتماع أحباب وصحاب ما كابدوا حربا ولا رفعوا طعنا ولا ضربا.
وعساكر الهولاكو ينوفون عن مائتين ألف مقاتل ما بين فارس وراجل ، وسالب وباسل ، وفاتك وقاتل يثبون وثوب القردة ويشكلون بأشكال المردة فيقطعون المسافات الطويلة فى ساعة قليلة يخوضون الأوحال ويتعلقون بالجبال ويصيرون على العطش والجوع ، ويهجرون الغض والهجوع ، ولا يبالون بألم الحر والبر والسهل والوعر والبر والبحر طعامهم كن شعير وشرابهم عن طرف البير يكاد أحدهم يتقوت بطرف أذن فرسه ، ويقطعها ويأكلها نيّا ويصبر على ذلك أياما عديدة ، ويكتفى هو وفرسه بحشيش الأرض مدة مديدة.
فوقع التصاق والتحم القتال ووقع الطوارق النزال وزحف الجيش إلى الجيش فى يوم الخميس عاشر محرم الحرام سنة ٦٥٦ ه ، وثبت أهل بغداد مع شرافتهم على حر السيوف وصبروا مضطرين على طعم الحتوف ، وأعطوا الدار حقها ، واستمطروا غمايم السهام ونبلها ودرقها ، واستقبلوا بحر وجوههم حر صواعق الحرب وبرقها ، وزفوا فى تلك الكائدة الفوز بالشهادة وارتقوا فى دار الآخرة رتب السعادة وجادوا بأنفسهم فى سبيل الله وجادوا أحسن إجادة.
واستمروا كذلك من إقبال الفجر إلى إدبار النهار فعجزوا عن الاصطبار وانكسروا أشد انكسار وولوا إدبارا بالإدبار ، وانهزموا وما أغنى عنهم الفرار ، ولزمهم الطراد إلى قتال أخذ سلاسهم منه الفرار مضوا متسابقى الأعضاء فيه لا رؤوسهم بأرجلهم عباد يرون الموت قداما وخلفا فيختارون الموت اضطرارا.
وغرق كثير منهم فى دجلة وقتل أكثرهم أشد قتلة وأعقبهم التتار ووضعوا السيف فيهم والنار ، وقتلوا من المسلمين فى ثلاثة أيام ما ينوف على ثلثمائة ألف وسبعين ألف نفس وسبوا النساء والأطفال ونهبوا الخزائن والأموال ، وأخذ هولاكو جميع النقود وأمر بإحراق الباقى ، ورموا كتب مدارس بغداد فى بحر الفرات وكانت لكثرتها جسرا يمرون عليها ركبانا ومشاه ، وتغير لون الماء بهذا والكتابة إلى السواد.