ومن عجيب ما وقع فى ذلك أن جملا كان لجمال يقال له : «القارونى» جملة فوق طاقته فهرب من جمادى الآخر فى تلك السنة من صاحبه ، ودخل المسجد الحرام ولم يزل يطوف بالبيت الشريف ، والناس حوله يريدون إمساكه فيعضّهم ، ولم يمكن أحدا من نفسه فتركوه إلى أن تم ثلاثة أسابيع ثم جاء إلى الحجر الأسود فقبله ، ثم توجه إلى مقام الحنفية ووقف هناك تجاه الميزاب الشريف فبرك عنده وبكى!! وألقى نفسه على الأرض ومات!! فحمله الناس إلى ما بين الصفا والمروة ودفنوه هناك.
وفى هذه السنة عمرت أماكن من سقف المسجد الحرام ، وعقد له من جانب الركن اليمانى المتصل بصحن المسجد ، وفى سنة ٨١٥ ه عمر شريف مكة ـ يومئذ ـ وهو الشريف حسن بن عجلان (أدام الله دولته) سعادته بالجانب الشمالى من المسجد الحرام البيمارستان الذى كان وقفا للمستنصر العباسى فخرب ودثر ، واستأجره من قاض القضاة بمكة ـ يومئذ ـ القاضى جمال السيد حسن بن عجلان بن ظهيره الشافعى إجارة طويلة مائة عام بأربعين ألف درهم ، وأذن القاضى جمال الدين للسيد حسن بن عجلان أن يصرف الأجرة المذكورة فى عمارة ما تخرب من البيمارستان المذكورة عمارة حسنة ، وجدد فيه أبوابا وصهريجا ووقف جميع ذلك مما عمّره.
وفيهما يستحق الانتفاع به على الفقراء والمساكين والمرض والمنقطعين يأوون قيه علوا وسفلا وينتفعون بالإقامة والسكنى فيه لا يزعجهم أحد ولا يخرجهم ، بل يستمرون إلى أن يحصل لهم الشفاء والفاقة ، فيخرجون باختيارهم ، فإذا خلا البيمارستان عن المرضى عاد الانتفاع لهم ، وكتب بذلك كتاب وقف على الصورة المشروحة ، وجعل النظر على ذلك لولده بركات وأخيه ثم بعدهما للأرشد فالأرشد من ذريته من ولد الظهر لا البطن.
وثبت ذلك وحكم بصحته القاضى السيد رضى الدين أبو حامد محمد بن عبد الرحمن الفارسى الحسنى المالكى فى يوم الجمعة لعشرين مضين من صفر سنة ٨١٩ ، وإنما استحكم فيه المالكى لأن متأخريهم أجازوا وقف النافع ، وهو خلاف رأى أبى حنيفة والشافعى (رحمهمالله تعالى).