اليمانيين جاعلا الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، إلى غير ذلك من الفوائد وهو مصغ إليها ملتذا بسماعها ، واستمر بنا على ذلك حتى أقيمت صلاة العشاء ، فصلينا ، ثم عرضت عليه رفع بعض البدع من المدينة فأمر برفعها ، وطلبت منه رفع المكوس من المدينة فأمر بإزالتها ، وجعل لأمير المدينة ـ فى مقابلة ذلك ـ ألف أردب قررها له فى كل عام ، وفرق بالمدينة الشريفة على فقرائها وفقهائها وعلمائها نحو ستة آلاف ذهب وحصل لى منه خير كثير وإحسان جزيل ، ثم برز فى اليوم الثانى والعشرين من المدينة قاصدا حج بيت الله الحرام» انتهى كلام السيد السمهودى ملخصا.
قال العز بن فهد : «فلما وصل الخبر بعود السلطان وبروزه من المدينة الشريفة ، أن السيد الشريف محمد بن بركات ومن معه ركبوا من بدر لملاقاة السلطان فاجتمعوا به فى منزله الصفراء ، وتلاقيا على ظهور الخيل وتصافحا ، ومشى السيد الشريف على يمين السلطان ، والقاضى برهان الدين ابن ظهيره على يساره ، وباقى من معهما سيلموا على السلطان على بعد ومشوا أمامه ، وصار السلطان يلاطفهم ، ويسأل عن أحوالهم ويشكر مسعاهم ويطمئن خواطرهم ، ويحاسرهم بالمكالمة وينصت إليهم إذا تكلموا ، واستمروا كذلك إلى أن وصل السلطان أوطافه ، فرجعوا عنه إلى مخيمهم ثم صاروا يسايرونه فى طريق ويظهر كل النشط ، ويبدى لهم وافر الانبساط ، وألبسهم السلطان خلعا فاخرة مرارا عديدة وفارقوه من بدر ، وتقدموا على السلطان إلى وادى ممر الظهران وزينوا هناك رباطا حافلا جميلا للسلطان ولمن معه.
فلما كان صبح يوم الأحد مستهل ذى الحجة وصل السلطان إلى مخيمه بالوادى ، وجد السماط ممدود فجلس السلطان وأكل منه وأطعم وفرق على من معه من عساكره على الخدم والأعيان من مكة للسلام على السلطان ، فسلموا عليه وانصرفوا أمامه وركبوا وركب السلطان هو وشيخ الإسلام القاضى إبراهيم بن ظهيرة ، وولده القاضى أبو السعود ، وأخوه القاضى أبو البركات ، وإمام السلطان الشيخ برهان الدين الكركى الحنفى ، واستمروا إلى أن دخلوا إلى مكة من أعلاها ، وكان القاضى إبراهيم هو الذى تقدم لتطويف