السلطان ، وصار يلقنه الأدعية والتلبية إلى أن دخل السلطان من باب السلام البرانى وطلع بفرسه منه ، فجعل به جواده فسقطت عمامته ، واستمر مكشوف الرأس إلى أن تقدم المهيار رمضان ، وتناول العمامة من الأرض ومسحها وناولها للسلطان فلبسها ، وكان ذلك تأدبا له من الله تعالى ، حيث كان يتعين عليه يترجل ويدخل محرما مكشوف الرأس تواضعا لله تعالى.
ثم لما وصل إلى العتبة الداخلة من باب السلام ترجل ونزل وقرأ بين يديه الرّيّس بصوت جهرى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ ، فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا ، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)(١).
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً)(٢).
ثم إنه فع يديه بالدعاء للسلطان وأمّن من حوله من أهل الأصوات ، ودخل من باب السلام ومولانا القاضى إبراهيم يلقنه الدعاء إلى أن دخل الطواف ، وقبل الحجر الأسود وهو يطوف ، ويلقنه الأدعية ، والريس ينادى بالدعاء من أعلى قبة زمزم ، والناس يحيطون بالمطاف الشريف يشاهدونه ويدعون له إلى أن تم طوافه ، وصلى خلف مقام إبراهيم ، ثم خرج من باب الصفا إلى الصفا ، وسعى راكبا ومعه مولانا القاضى إبراهيم يلقنه الدعاء ، فلما فرغ من سعيه ركب فعاد إلى الزاهر وبات فى مخيمه ، وركب فى الصبح فى موكبه ، ولاقاه مولانا الشريف السيد محمد بن بركات وأرلاده ، وقاضى القضاة البرهانى إبراهيم بن ظهيرة وابنه الجمالى أبو السعود ، وأخه القاضى فخر الدين ، وابن عمه ، والخطباء وأعيان الناس ، وأكابر التجار ، فخلع السلطان قايتباى على الجميع ومشوا أمامه فى موكب عظيم ومهابة عظيمة ، ولم يتخلف أحد بمكة من النساء والرجال حتى المخدرات ، ودخل
__________________
(١) الآية رقم ٢٧ من سورة الفتح ، مدنية.
(٢) الآية كانت بدون «المشركون» ، والآية سبقت الإشارة إليها.