ثم أن شيخ العرب عبد الدايم بن بقر يقرب إلى خاطر السلطان سليم ، وسلم إليه السلطان طومان باى أسيرا ، وأنعم على شيخ بالخلع ، والتشاريف والإنعامات السلطانية وحبس طومان باى عنده ، وأراد أن يكرمه ، ويجعله نائبا عنه بمصر إذا برز عنها ، وصار يحضره فى مجلس الصحبة ، ويستخبره عن الأمور والأحوال ، فأرجف أهل مصر عن طومان باى ، أنه لم يقع فى الأسر ، وأنه ايختفى ، وأنه يجمع عسكرا ، وينتهز الفرصة ، وأنه شجاع لا يطاق ، ولا يقدر أحد على مسكه.
فبلغ السلطان سليم خان الرجيف ، ورأى الفتنة لا تسكن ما دام طومان باى محبوسا ، فأمن أن يركب على بغلة ، ويحلف بالعسكرة من البنكحرية ، ويمضى به إلى باب زويلة ، ويصلب فيه ، ليراه الناس بأعينهم ، ويصدقون بأنه مسك ، وصلب على باب زويلة لإحدى عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ٩٢٣ ه.
ثم ولى القضاة الأربعة على المذاهب الأربعة بمصر ، وهم قاضى القضاة جمال الدين الطويل ولاه قضاة الشافعية ، وقاضى القضاة نور الدين على بن بسينى الطرابلسى الحنفى قاضى الحنفية ، وقاضى القضاة الدمير المالكى ؛ قاضى المالكية ، وقاضى القضاة شهاب الدين أحمد النجار الحنبلى ، وولى ملك الأمراء خير بك على مصر المحروسة ، وولى جان بردى الغزالى الشام ، كما وعهدهما بذلك ، ومهد الأمور ، وسار إلى أسكندرية ، وعاد من مصر ، ثم إلى تخت القسطنطينة العظمى فى يوم الخميس ؛ لخمس بقين من شعبان سنة ٩٢٣ ه.
وأخذ معه كثيرا من أعيان الناس سركنا إلى الروم كما هو قانونهم ، ووصل إلى تخت ملكه ، ومقتر سلطنته مظفرا منصورا وشكر الله وحمده على نصرته ، وتأييده.
وكان عبدا شكورا ، وافتقد خزائنه فوجدها قد انصرف غالبها ، فإنه قد أصرف فى هاتين السفرتين ؛ وهما السفر إلى بلاد قزلياس ، والسفر إلى إقليم مصر خزائن عظيمة مما جمعها آباواه وأسلافه ، فلما أراد سفرا ثالثا إلى بلاد