إلى أهل القدس وأهل خليل الرحمن ، وعاد إلى عسكره وصار كلما مر ببلدة وقرية أو قصة فى طريقة أحسن إلى الرعاء ونظر بعين المعدلة والإحسان إلى البريا ، وأزال عن الضعفاء ظلم الظالمين ونشر العدل فى العالمين بقية السيف من الجراكسة ، وولوا عليهم الدودار الكبير مقدم ألف طومان باى ، ولقبوه الملك الأشرف ، واجتمعوا عليه ، وألقوا مقاليد سلطنتهم إليه ، وساروا بمواكبهم بين يديه ؛ وجندوا الجنود ، وعقدوا الألوية والبنود ، وبرزوا إلى الريدانية ؛ خارج مصر ، ونصبوا المدافع الكبار ، وملكوها بالبارود ، والأحجار ، وهيبوها ليطلقوها إذا أقبلت العساكر العثمانية ، فلما أخبرهم الجواسيس بذلك عدلوا إلى مسيرتهم ، وجاءوا من خلف جبل المقطم ، من وراء عسكر الجراكسة ، ورموا بالمدافع والمحامل والضريزانات على العجل ، واستمرت مدافع الجراكسة مركوزون لمن يأتى من أمام الريدانية بلا نفع ، ولا دفع ، وقاتل السلطان طومان باى ومن ثبت معه من أمراء الجراكسة ، قتالا قويا ، وأظهر طومان بأى شجاعة قوية ، عرف بها ، وشهد له المصاف وهو يغوص فى عسكر ويحمل ، ويكر ويفر ، وقتل من وراء السلطان سليم الأول فى ذلك اليوم سنان باشا وأسف السلطان سليم على شهادته.
ومن جملة نكاته قال : عند ما أخبر بهروب عسكر الأعداء ، وأخذ مصر ، وقتل سنان باشا أى قائده فى مصر بلاد يوسف ، ووجه النكتة ؛ أن يوسف يلقب بسنان عزمهم ، وبعد أن ثبتوا ساعة ، انكسروا فهربوا وتفرقوا ، وتشتتوا ، وتمزقوا ـ وهرب طومان باى إلى البر ، ونزل على شيوخ عريان بنى حرام عبد الدايم بن بقر ، ودخل السلطان سليم إلى مصر ، ونزل فى ساحاتها فى الجزيرة الوسطى ، فطاف عسكره بالبلدان ، وأمنوا الناس ، وأزالوا عنهم الخوف والبأس ، ما عدا الجراكسة ، فإنهم إذا ظفروا بهم ربطوهم وأثوابهم إلى السلطان سليم خان ، فيأمر بضرب رقابهم ، وترمى جيفهم فى البحر النبيل ، وتجمع رؤوسهم أكواما إلى أن عفنت الجزيرة بروايح القتلى ، فانتقل السلطان سليم إلى المقياس ، وأمر أن يبنى له فى علوه كوشكا عاليا ؛ سكنه مدة إقامته بمصر ، هربا من عفونات أشلاء القتلى.