وصبر عليه إلى أن غلب عليه سلطان المنام على مقلته ، وأماقه ، وأمر بذبحه ؛ فذبح ، وأخطأ الذابح نحره فصاح مستجيرا ، والسلطان قريبا منه ، وقد صمم فى أمن بأن يكمل ذبحه ، فقطع رأسه وأطفئ نبراسه ، وأخمدت أنفاسه ، وما كانت نار الغضب على إبراهيم بردا سلاما ؛ بل زادته حرا واضطراما ، ولعل كثرة إحسانه إلى الناس ، ونشر مكان التى زادت على الحد والقياس نفعته عند الله ـ تعالى ـ فى الدار الآخرة ، ولعله صدقت نيته فصادفت قبولا ، وصار عند الله الكريم ذخرا ، فكم من عمل صالح يكون سببا للنجاة من النار ، ويدخل صاحبه من الشهداء الأبرار ، وما ربك بظلام للعبيد ، وكان قتله فى الليلة السادسة والعشرين من رمضان سنة ٩٤١ ه.
ثم ولى الوزارة العظمى الوزير الثانى إياس باشا ، وكان من الأرنوت من مماليك المرحوم السلطان سليم خان ، وكان محبا للصلحاء معتقدا فى طائفة العلماء ، معتدلا فى أحواله ، صادقا فى أقواله ، عطوفا فى رايه وأفعاله ؛ اجتمعت به فى أول رحله إلى أسطنبول سنة ٩٤٣ ه ، وكان يكاتب والدى ويلتمس دعاه ، فأكرمنى وأقبل علىّ وأحسن إلىّ ورقانى عند السلطان ، وأخبرته عن والدى وكبر سنه وانفراده بعلم الحديث وعلم السنة فى عصره ؛ فحصل لى أنعام كثيرة ـ جزاه الله عنى خير الجزاء ورحمة وأسكنه جنات العلا ـ واستمر وزيرا إلى أن توفى سنة ٩٤ ه أربع وأربعين وتسعمائة.
ثم ولى بعده الوزارة العظمى لطفى باشا وجنسه من الأرنوت ، وهو من مماليك المرحوم السلطان سليم ، وكان له فضل واشتغال ومشاركة فى بعض المسائل ، وله رسالة بالتركية ، شرح فيها الفقه الأكبر لإمامنا الأعظم أبى حنيفة النعمان ، وله أثار جمة فى وزارته ، منها ربطال الأولاق فإنهم كثروا فى تلك الأيام وعم أذاهم للمسافرين ، وكانت الطرقات لا تخلى منهم ؛ فيأتى أحد الأولاق إلى المسافر ويرميه عن دابته ويركبها إلى أن تنقطع ؛ فيرميها ويأخذ دابة مسافر أخر ـ وهلم جرا ـ لا يسلم منهم أحد ، فلما ولى الوزارة أبطل كثرتهم ، وعين أن يرسل الأولاق إلا فى المهمات العظيمة السلطانية المتعلقة بظهور عدو على المملكة يخشى عليها منه وأمثال ذلك من الأمور