ثم سولت له نفسه العصيان ، وظن أنه يأوى إلى جبل يعصمه من السلطان وأنه يقابل ويقاتل بجيش يلفقه من مصر ؛ فأبدى الطغيان وادعى السلطنة لنفسه وأمر أن يخطب باسمه على المنابر فى أيام الجمع ، ورتب عسكرا من العوانية ، وجمع وضرب السكة باسمه على الدراهم والدنانير ، وصادر الناس وجمع المال الكثير ، وعصى على أهل قلعه الجبل ، وجمع عليها الشطار ، وأخذها بالحيل ، وقتل من فيها من عسكر السلطان ، وأوقد نيران الفتنة والعصيان.
وكان ممن حبسه للمصادرة جاد الحمزاوى ومحمود بيك ، وأراد قتلهما ، وقد أخر الله أجلهما ؛ فسمعا أنه دخل الحمام فكسرا الحبس وبرز أو نصبا صنجقا سلطانيا وناديا من أطاع السلطان فليقف تحت لوائه ؛ فاجتمع تحت الصنجق السلطانى خلق كثير وجم غفير ، وصار سد دارهم محمود بيك وجاد الحمزاوى بمشابهة الوزير ، وتوجها بالعسكر إلى الحمام فكبسا أحمد باشا وقد حلق نصف رأسه وأعجله النصف الثانى هجوم العسكر السلطانى عليه ؛ فهرب إلى السطوح ، وتسلق من مكان إلى مكان وخلص إلى البر ، والتجأ إلى شيخ العرب بناحية الشرقية عبد الدايم بن يقرظ ، وقوى العسكر السلطانى ونهبوا ما معه من الأموال بالظلم والمصادرة ، وخرجوا إليه يطلبونه ، وخوفوا عبد الدايم وحذروه من عصيان السلطنة فأتاهم به ممسوكا فقطعوا رأسه ، وطافوا بها فى مصر ، وعلقوها فى باب زويلة.
ثم جهزوا إلى الأعتاب السلطانية ، وذلك فى سنة ٩٣٠ ه ، وخبط محمود بيك وجانم الحمزاوى مصر إلى أن ورد مصطفى باشا وضبط مصر بكاربكيا ، واستمر إبراهيم باشا فى وزارته العظمى معظما عند السلطان نافذ الأمر والنهى إلى أن أفرط فى الدلال وزاد فى الإدلال ، فاستبديا الأمور واستقل بمصالح الجمهور ؛ فأنفقت الغيرة من ازدياد دلاله وما تحملت زيادة عجبه وإدلاله ؛ فطلبه السلطان فى ليلة من أواخر رمضان إلى عنده وأنعم عليه على جارى عادته بنفائس أنعام وافرة ووهب له جميع ما فى محله من أوانى الذهب المدصعة بالجواهر الغالية ، وطيب خاطره وطيبه بالعنبر والمسك والغالية ، وأمره أن يبات عنده فى مجلس خاص به ، كان عادته أن يبات فيه ،