تواريخ الأمم ، إن شاء الله تعالى ، فأقول : «أوّل غزواته لمّا ولى السلطانة غزوة أنكروس ، برز إليها من القسطنطينية العظمى لإحدى عشر ليلة خلت من جمادى الآخر سنة ٩٢٧ ه ، بعسكر جرار ، وجيش كرار عظيم المقدار ، يدك الأرض دكا ، ويصك الجبال الراسيات صكا ، فلمّا وصلوا إلى ديار الكفار جاسوا خلالها ، ونازلوا أبطالها ، وقتلوا رجالها ، وسبوا أطفالها ، ونهبوا متاعها وأموالها ، وفتحوا حصونها وقلاعها ، وملكوا الأرض وبقاعها ، ومن أعظم ما افتتح من البلاد قلعة بلغراط ، وهن قلعة محكمة منيعة باقية إلى الآن بيد المسلمين ، وأسدوا الأسارت الأسيرة.
وعاد السلطان إلى دار مملكته سالما غانما منصورا ، مؤيد بنصر الله تعالى ، ظافرا مسرورا ، وزينت البلاد لانتصاره وفرح المسلمون ، وكان الله من أنصاره وذلك أول فتوحاته وغدة أسفاره وغزواته ، وكانت عوده إلى سرير ملكه فى شهر ذى القعدة الحرام سنة ٢٧ ه.
وفى هذا العام عصى جان بردى الغزالى الجركسى أمير الأمراء بالشام ، وجمع طائفة من عصاة العرب ، وبعض أشقياء الجراكسة وادّعى السلطنة ، وخطب لنفسه ؛ فجهز عليه فرهاد باشا وقاتله فيما تقرب الصالحية ومسكه وقطع رأسه ، وأرسل بها إلى الباب العالى ، وكفى الله أمره ودرأ عن المسلمين فتنته وشده ، وذلك لسبع مضين من شهر صفر الخير سنة ٩٣٩ ه. والله سبحانه وتعالى أعلم بذلك.
الغزوة الثانية : وهى غزوة رودس وهى جزيرة فى وسط البحر ما بين أسطنبول ومصر ، وبنى بها الكفار حصنا حصينا وحصارا فى غاية الاستحكام مكينا ، اتخذه الكفار مكمنا لأخذ المسلمين ، وأتقنوه غاية الإتقان والتمكين ، بحيث رسخ أساسه إلى تخوم الأرضين ، وارتفع رأسه جوم السرطين والبطين ، ينظرون من أعلى القلعة السفائن التى تمر فى البحر من مسافة بعيدة ؛ فيتهيئون للتحصين ، إن كان ذلك عسكرا من المسلمين ، ويأخذونهم إن كانوا من سفار البحر ، واتخذته النصارى معبدا يجهزون أموالهم إليه فى استحكام بنائه وإتقانه ، وجعلوه من أعلاه إلى أسفله فى جميع جوانبه ثقوبا ، وضعوا