فيه المدافع الكثيرة ، ترمى على من يقصدها من الخارج ؛ فتصيب كل من قصدها فى جهة من الجهات ، ولها باب من حديد وسلسلة عظيمة فى وسط البحر تمنع الراكب من الوصول إلى الباب ، ويهيئون أغرية مشحونة بالسلاسل والمدافع والمقاتلة ، إذا أحسوا بسفينة فى البحر من الحجاج والتجار ، أخرجوا إليها تلك الأغربة ، وأخذوها ونهبوا ما فيها من الأموال ، وأسروا المسلمين ، فيقطعون الطريق على هذا الأساول ، ويجمعون الأموال ، ويصرفونها على مقاتلهم ، وكان هذا دأبهم ، وعجز المسلمون ، وعم عزاهم المسلمين ، فتجهز السلطان بعسكره المنصور إلى أخذ هذه الجزيرة ، وكان سفره الميمون إليها ، ونزول مخيمه الشريف فى أسكور متوجها إلى هذه الغزوة لعشر بقين من شهر رجب سنة ٩٣٨ ه ، وكان وصوله إلى رودس ونزوله عليها فى شهر رمضان من السنة المذكورة ، فأحاط بها برا وبحرا ، وما أمكن من فى الأرض أن يقرب من حصار رودس للخندق العظيم الذى حولها ، ما أمكن من فى الأرض أيقرب لها من صونه بالمدافع العظيمة من أعلى الحصار ، وما أمكن من فى الأرض القرب للسلسلة الممدودة من الحديد فى البحر والرمى على من يقربها بالمدافع الكبار ، فصاروا يصيبون المسلمين بالمدافع ولا تصيبهم مدافع المسلمين ؛ لمتانة عرض الحصار وعدم تأثير المدافع فيه ، فتأخرت عساكر البحر قليلا ، وأمروا بسوق الرمل والتراب أمثال الجمال وتترسوا بها ، وصاروا يقدمون قليلا قليلا ، إلى أن وصل التراب إلى الخندق وامتلأ به ، وقرب من جدار الحصار ، وارتفع عليه ، وصار الكفار الفجار تحت المسلمين يصابون ولا يصيبون ، ورموا عليهم النار ، وأحرقوهم بنار الدنيا قبل نار الآخرة ، إلى أن عجزوا ووهنوا وتحققوا إنهم مأخوذون.
فطلبوا من السلطان سليمان الأمان ، وشرطوا أن يحملوا نساءهم وأطفالهم وأولادهم ونقودهم ويعزوا أين أرادوا ، ولا يتعرض لهم أحد من الجند ، فأجابهم السلطان إلى ذلك بعد أن نهاه الوزير عن أمانهم ، فإنهم لم يبق لهم منعة ولا قوة ، وإن الأموال التى أرادوا حملها خزينة كبيرة ، وإن هؤلاء الكفار إذا نجوا بهذه الخزينة أمكنهم التقوى بها ، وجمع العسكر من