الغزوة الثالثة عشر : غزوة سبكتوار وهى أخر غزواته الكبار.
لما كان دأب هذا السلطان الأعظم المجاهد فى سبيل الله ، ونصرة دينسي الإسلام ، كدأب آبائه ، وأسلافه العظماء ، ولكل امرء من دهره ما تعود ، وعادة الجهاد فى سبيل الله أعظم ذخرا عند الله ، تاقت نفسه النفيسة إلى الجهاد ، واشتاقت إلى قتال الفجار الكفار ، وصمم على السفر إلى بيج ودشوار ؛ وكان مزاجه الشريف متوعكا باستيلاء مرض النقرس عليه ، ويتألم بذلك ألما شديدا ، ويتصبر صبر الرجال ويظهر لناس غاية التجلد والاحتمال.
فمنعه عن السفر رئيس الأطباء ، صاحبنا المرحوم بدر الدين محمد بن محمد القوصونى المصرى ، وكان من أحذق الحذاق ، وأفضل الفضلاء فى سائري العلوم على الإطلاق ، أديبا أريبا ، رئيبسا طبيبا ، بينى وبينه مرسلات وملاطفات أدبية ومطارحات ، يجتنى ثمار الأدب الغصن من رياضها ، ويقتطف أزهار الفاكهة من أكمام أغصان حياضها ، برد الله مضجعه ، وأنزل عليه زلال رحمته سلسبيلا ، وسقاه من الجنة كأسا مزاجها زنجبيلا.
فلم يمتنع المرحوم السلطان بما أمر ، ولم يطع الطيب فيما ذكر وقال : أريد أن أموت غازيا ، وأبذل روحى فى سبيل الله مجتهدا ساعيا.
فبرز بجيوشه المنصورة ، وجنوده وراياته المفروفة بالنصر وبنوده ، والظفر يقدمه ، والسعد يخدمه ، وانقض كالشهاب الثاقب ، والحسام القاطع القاصب ، حتى طرق الكفار كالأحلام الطوارق ، وختمت بالنصر أغلامه ، كالرياح الخوانق ، واصطفت أبصارهم ببراق الأسياف الصواعق ، وكان بروزه من القسطنطينية الحمية فى يوم الاثنين المبارك ، لتسع مضين من شهر شوال المقرون بالظفر والسعادة والإقبال سنة ٩٧٤ ه.
واستمر يموج بجيوشه ، كالبحر المواج ، ويفيض إحسانه على كل فقير محتاج ، كالغيث التجاج ، وهو يقطع المراحل والمنازل ، ويسلك فجاج المسالك والمناهل والمناهك ، وينزل فى السواحل إلى أن قطع الأنهار الكبار الغزار ، والمياه العظيمة الكبار بحوز مملكته ، بنيت عليها سفائن كالأطواد