جلاميد الصخار إلى الهواء ، ورمت شررا ولهبا ودخانا إلى أن امتلأ الفضاء ، فضعفت بذلك طائفة من الكفار ، وعذبهم الله قبل عذاب النار.
وتزاحم المجاهدون فى سبيل الله ، معتمدين على نصر الله ، خالصا لوجه الله ، وحملت على الكفار حملة واحدة بغاية التيقظ والانتباه ، غير مبالين بموت ولا حياة ، مؤمنين بأن لا مفر مما قدره الله ، وتعلقوا بأطراف القلعة ، واقتلعوها من أيدى الكفار ، وهجموا عليها ، ودخلوها من فوق الأسوار ، وقتل من قتل ونجا من نجا بمساعدة الأقدار ، وافتتحت قلعة سكتوار ، ورفعت الراية الشريفة السلطانية السليمانية على أعلى منار ، ووضع السيف فى جميع الكفار والفجار ، وقتلوهم وساقوهم إلى جهنم وبئس القرار ، وعند وصول الخبر إلى السلطان سليمان ، فرح وحمد الله على هذه النعمة ، واستسلم لربه ، وقال : طلب الموت الآن ، وانتقل من سرير ملك الدنيا إلى سرر مرفوعة فى أعلى الجنان.
وأخفى حضرة الوزير الأعظم محمد باشا وفاة حضره السلطان ، وخرج من عنده ، وفرق الجوائز السنية والإنعامات ، وأعطى الأمراء والكباربكية الترقيات ، وأمر بإرسال البشائر إلى سائر الأطراف والجهات ، وأرسيل سرا يستدعى السلطان سليم خان الثانى ، ويستعجله فى سرعة الوصول إلى التخت الشريف العثمانى ، وكتم ذلك عن جميع الخواص والخدم ، وأحسن التدبير فى هذا الكتم ، وهو من اللازم الحاتم فى الأمور العظام.
واستمرت أمور المملكة فى غاية الانتظام ، وأحوال العسكر المنصور السلطانى فى أعلى درجات النظام ، وهم فى ديار الكفر ، بعيدون عن ديار الإسلام ، وذلك من كمال العقل التام ، فمن الرأى الثاقب الصائب التمام إلى أن وصل ركاب حضرة السلطان سليم إلى مقر تخته الكريم ، وأذن للعساكر المنصورة بالرجوع إلى أوطانها ، وعاد مع أركان دولته ، ووزراء سلطنته ، وبقية عسكر بابه العالى إلى القسطنطينية العظمى ، كما سيأتى تفصيله إن شاء الله تعالى.