فامتثلل الأمر الشريف السلطانى ، وبرز محفوفا بالنصر الصمدانى ، والعون الربانى ، ومعه عسكر جرار ، حلو وجه الأرض بحرا وبرا ، كأنهم قطعة نار مضطرمة ، واشتد حرا ؛ فحاصرهم المجاهدون فى سبيل الله ، وضيق عليهم جنود الإسلام الغزاة ، ورسوا بالمدافع الكبار السلطانية عليهم ؛ فحطمت دورهم ، وهدمت قصورهم ، وصارت بيوتهم قبورهم ، وكسرت ظهورهم ، فافتتحت ببركة النبى صلىاللهعليهوسلم قلعتان ، وبقيت الثالثة ، وهى ماغوسا ، وفيها سلطانهم محصور ، وكل محصور مأخوذ ومأسور ؛ فأظهر الجلد وثبت وكابد فى محاصرته أنواع الكمد إلى أن وهن قواه ، وذاب كبده وحشاه ، واضطر إلى الأمان ، والبذل لحضرة الوزير الرفيع الشأن ، فشملت عناية حضرة الوزير المعظم المكين ، وأعطاه الأمان ، وشرط عليه أن يفلت من عنده من أسارى المسلمين ، ويدوس البساط الشريف السلطانى ؛ ليتم له التأمين ، ويحصل له التطمين ، فوافق على ذلك ، وأطلق الأسرى ، وحضر ليقابل حضرة الوزير المعظم جبرا وقهرا ؛ فأخبروه الأسارى ، إنه خان بعد انعقاد الأمان ، وقتل جماعة من أسارى المسلمين ، وأخفى ذلك عن المسلمين ، وفعل هذه الخيانة سرا ، فلما علم حضرة الوزير المعظم أن ملكهم قد خان ، طلبه إلى ما بين يديه ، وأهانه غاية الهوان ، وركب وحمله غاية السرح ، وأمره أن يمشى قدامه كسائر الغلمان ، ثم ضرب عنقه لخيانته ، ونقض عهده ، وأخذ أمواله وذخائره ، وقتل من أراد ، واستأسر واسترق من أراد.
وصارت جيرة قبرس دار الإسلام ، وأضيفت إلى سائر الممالك الإسلامية العثمانية باجتهاد هذا الوزير العظيم ، وإصابة رأيه وتدبيره الصائب الأتم ، وما بلغنى تفصيل ما وقع فى هذه الغزوة ، وما أمكننى تحققها وأرادت كثيرا إفرادها بالتأليف ، وذكر ما وقع فيها ، فلم أظفر بذلك ، فإن أظفرنى الله تعالى بالاطلاع ، أجعل له تاريخا مستقلا ، واسع المجال ، لطيف الفاكهة ، بليغ المثال إن شاء الله تعالى.
وإما فتح بلاد اليمن ، فإن إقليم اليمن من صنعاء إلى عدن كانت داخلة فى