العالى ، فارس ميدان البحر السائر ، إلى قلعة امتراح المعالى ، الأسد الضرغام ، والليث القمقام ، والصارم الصمصام ، أمير الأمراء العظام ، قلج على قابودان باشا ، يسر الله تعالى من الفتوحات ما يشاء ، فشرعا فى أخذ أسباب السفر ، وأخذا معهما من أمراء الصناجق وشجعان العسكر ، كل أسد غضنفر ، وكل باسل معقود بناصيته أسباب النصر والظفر ممن له فى حرب البحر اليد البيضاء ، والمعرفة التى يتصرف بها فى الماء والهواء ، وشحنوا مائتى غراب ، يطير بأجنحته القلاع ، وتهدم بما فيها من المدافع محكمات الحصون والقلاع ، وعدة من المؤنات الكبار ، يحمل الأثقال ، ودفع الأحمال الثقال ، وشيل مكاحل النحاس ، لحطم الثغور ، وهدم السور والحسور إلى الأساس ، وكثرة التخويف والترتيب ، وشدة القوة والبأس.
وكان يوم بروز العسكر المنصور من القسطنطينية العظمى ، يوما عظيما مشهودا ، وساعة مباركة ، أظهرت يمنا وبركة وصعودا ، وكان الجمع المنصور جمعا مباركا منصورا ، وذلك فى غرة ربيع الأول سنة ٩٨١ ه.
وركب الوزير المعظم سردار العساكر حضرة الباشا سنان والقابودان ، والعساكر المنصورة بنصر الله الملك الديان ، شبح البحر ، كأنهم طوفان فوق طوفان وطارت بهم الأغربة على وجه البحر أقوى طيران ، وتلت ألسنة القراء (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها)(١) ، فوصلوا إلى اليمان إياوارين ، واستمروا سائرين فى البحر ، حتى وصلوا إلى ماللو كليسان من مملكة البندقية ، فوصلوا فى يوم الخميس من مضين من شهر ربيع الأول ليمان الخير ، واستقروا بها ليلة الجمعة ، وأصبحوا متوجهين ، والسعد يخدمهم ، والنصر والفتح والظفر يراقبهم ويقدمهم ، وقد عبروا بسفائنهم إلى العمان ، وما أمكن لغيرهم من العساكر عبور العمان بهذه السفائن الكثيرة ، حفظا من تصادمها عند شدة تموج البحر ، ولكن الله تعالى مسلم من أراد ، لا دافع
__________________
(١) الآية رقم ٤١ من سورة هود ، مكية.