وقاتلوا المسلمين قتالا شديدا ، وعادوا إلى قلعتهم واستشهد فى ذلك اليوم كثير من المسلمين ؛ فانتقلوا إلى رحمة الله تعالى فى أعلى عليين.
فلما بلغ حضرة الوزير المعظم ما فيه عسكر المسلمين من الشدة ، جاء بنفسه إليهم ، فإن المسافة قريبة ، وعساكر المسلمين محيطة بقلعة حلق الواد والحرب قائم على حاله ، فتوجه حضرة الوزير إلى تلك القلعة المحصورة بقرب تونس ، وشاهدها ، ووزع على جوانبها عساكر المسلمين ، وقوى جأشهم ، وعين فى كل موضع طائفة ، وأشار إلى القيودان والبكلاربكية بما رأى فيه الصواب ، وطمنهم وشد قلوبهم.
وعاد من يومه إلى حلق الواد ؛ لاحتياج عساكر المسلمين عليه فى هذه الجهة أيضا ، واستمر كل من الفريقين فى مجاهدة الكفار وهم على الثبات والقرار ، لا يسأمون من مصادمة النار ، ولا يخافون من الموت ، لأنهم مقدمون على جنة الخلد ، وملك لا يبلى طالبون درجة الشهادة ، من الله تعالى الأعلى.
ووصل فى هذا الاثنا عشر ، بكلاربكى الجزائر سابقا ، أمير الأمراء العظام أحمد باشا ؛ لإعانة عسكر الإسلام ، وأقبل على حضرة الوزير الأعظم واستأمر لما يأمره به ، فأعطاه عدة من المدافع ، وعين له جهة الجنوب من حلق الواد ؛ فتوجه إليها ، وبنى المتاريس ، وجاهد فى الله حق جهاده ، وأقدم على قتال الكفار ، ألقى الحرب مقاليد قياده ، فوصل العسكر المنصور إلى حافة خندق الكفار ، فى مقدار أربعة عشر يوما ، وبنوا على حافته المتاريس.
وكان الكفار قد نقبوا تحت الأرض نقبا طويلا ، ووصلوا إلى موضع كان كرك حافه ، وفيه قلة مرح ، تصلح للتحصين فيه ؛ فوصلوا إليه من تحت الأرض ، وملأؤه من الرجال وآلات الحرب ؛ ففطن المسلمون لذلك ، وكان قريبا من الجانب الذى فيه حضرة الوزير ؛ فتوجه إليه بنفسه النفيسة ، ووقع فيه حرب شديد ، وأخذت القلعة ، وقتل من فيه من النصارى المذلولين ،