فأرسل حضرة الوزير بالليل ، من يقيس عمق الخندق ، الذى وصل إليه العسكر المنصور ، فكان عمقه ستون ذراعا بذراع العمل ، وقعره متصل بالبحر مملوء بماء البحر.
فتشاور الوزير مع الأمراء وأصحاب الرأى فى ذلك ، فما وجدوا لذلك حيلة ، سوى أن يملأ الخندق بالتاب ، ويبنى عليه المتاريس ، فأمر الوزير المعظم ، وسائر العسكر بذلك.
فشرعوا فى نقل التراب من جلف المتاريس وباشر حضرة الوزير ، المشار إليه ذلك ، ونقل بيده الشريفة التراب ؛ ابتغاء مرضات الله العزيز الوهاب ، ونصرة لدين الإسلام ، وتأييدا لدين محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
ورأى الأمراء ذلك ؛ فبادروا بأنفسهم إلى نقل التراب ، ورأى العسكر المنصور ذلك ؛ فهموا بأنفسهم غاية الاهتمام ، وأقدموا نهاية الإقدام ، وحملوا التراب بأذيال الثياب ، ورموا بها فى الخندق ، إلى أن امتلأ ، وزاد فى الارتفاع ؛ فبنوا المتاريس فوق ذلك إلى أن اعتلوا على الحصار ، وذلك لأربع عشر ليلة ، خلت من شهر ربيع الثانى سنة ٩٨١ ه.
فصارت مدافع المسلمين تصل إلى وسط قلعة الكفار ، وتقتلهم ، وتحرقهم بالنار ، وتسوقهم إلى جهنم وبئس المصير ، ووصل فى هذا اثنا عشر بكلاربكى الجزائر المتولى عليها إذ ذاك ، أمير الأمراء العظام رمضان باشا ، ومعه أربعة آلاف مقاتل ، واجتمع بحضرة الوزير المعظم ، وطلب معه خدمة يؤديها ؛ فأرسله ومن معه فى عسكر الإسلام إلى إعانة المسلمين ، الذين حصروا الكفار بالقلعة التى بقرب تونس ، فتوجه إليها ، ونزل فى جهة من جهاتها وحط عليها ، مع من هناك من البكلاربكية والأمراء والغزاة والمجاهدين والكبراء ، واستمر حضرة الوزير فى محاصرة قلعة حلق الواد والاستيلاء على من فيها من أهل الكفر والعناد ، وأقدم المسلمون على الدخول إلى الحصار ، لما شاهدوا من الكفار.
وحمل الوزير المعظم ومن معه من الأبطال جملة واحدة نزلت الجبال ،