يتخذا عريشا ، ثم انصرف فتبعته هاجر ، فقالت : ألله أمرك بهذا؟ قال : نعم. قالت : إذا لن يضيعنا ، فرجعت عنه ، فكان معها شن ماء ، فنفذ ، فعطشت ، وعطش ولدها ، فنظرت إلى الجبل ، فلم ترد داعيا ولا مجيبا ، فصعدت على الصفا فلم تر أحدا ، ثم هبطت وعينها من ولدها حتى نزلت الوادى ، فغابت عنه ، فهرولت حتى صعدت من الجانب الآخر ، فرأته ، واستمرت إلى أن صعدت المروة ، وترددت فلم تر أحدا ، وترددت (١) كذلك سبعا ، فعادت إلى ولدها ، وقد نزل جبريل عليهالسلام ، فضرب موضع زمزم بجناحه ، فنبع الماء ، فبادرت هاجر إليه ، وحبسته من السيلان كيلا يضيع الماء.
وفى لفظ النبوة : «لو لا أنها عجلت لكان عينا معينا» ، فشربت وأرضعت ولدها.
وقال لها جبريل : لا تخافى الضيعة ؛ فإن هاهنا بيت الله عزوجل بنيته لهذا الغلام وأبيه (٢) ، وأن الله لا يضيع أهله.
قال الإمام أبو عبد الله ؛ محمد بن أحمد بن أبى بكر القرطبى (٣) فى تفسيره : «لا يجوز لأحد أن يتعلق بهذا فى جواز طرح ولده وعياله بأرض مضيعة اتكالا على العزيز الرحيم ، واقتداء بفعل إبراهيم الخليل عليهالسلام فإنه فعل ذلك بأمر الله تعالى».
وقد روى : أن سارة لما غارت من هاجر بعد أن ولدت إسماعيل خرج بها إبراهيم عليهالسلام إلى مكة ، وأنزل ابنه وأمه هناك ، وركب منصرفا فى يومه ، وكان ذلك كله بوحى من الله تعالى.
__________________
(١) فى (س) : وتردت.
(٢) فى (س) : وأبوه.
(٣) القرطبى : أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبى بكر فرج الأنصارى الخزرجى ، شمسي الدين ، المالكى ، المتوفى سنة ٦٧١ ه ، من تصانيفه : الأسنى فى شرح أسماء الله الحسنى ، الإعلام بما فى دين النصارى وإظهار محاسن دين الإسلام ، التذكار فى فضل الأذكار ، التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الآخرة ، جامع أحكام القرآن ، والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان ، شرح التقصى ، قمع الحرص بالزهد والقناعة ، ورد ذل السؤال بالكتب والشفاعة ، وغير ذلك. هدية العارفين : ٦ / ١٢٩.