فتتغاشى ، وعشياته تتخافت وتتلاشى ، (١) وأدواحه في ارتباك ، وحمائمه في مأتم ذي اشتباك ؛ كأن لم تكن قمر هالات قبابه ، ولم يكن أنسك شارع بابه ، (٢) إلى صفوة الظّرف ولبابه ، ولم يسبح إنسان عينك في ماء شبابه ، فلهفي عليك (٣) من درّة اختلستها يد النّوى ، (٤) ومطل (٥) بردّها الدّهر ولوى ، (٦) ونعق الغراب ببينها في ربوع الهوى ، ونطق بالزّجر (٧) فما نطق عن الهوى ، وبأيّ شيء يعتاض منك أيتها الرّياض ، بعد أن طما نهرك الفيّاض ، وفهقت (٨) الحياض ، ولا كان الشّاني (٩) المشنوء (١٠) والجرب (١١) المهنوء (١٢) ؛ من قطع ليل أغار على الصبح فاحتمل ، وشارك في الذّمّ الناقة والجمل ، واستأثر جنحه ببدر النادي لمّا كمل ، نشر الشّراع
__________________
(١) تلاشى الشيء : اضمحلّ. تاج العروس (لشا). والتلاشي ، بمعنى الاضمحلال ، عاميّ لم يرد عن العرب ، ومن ثم خطّؤوا ابن نباته الفارقي (ـ ٣٧٤) في قوله : «بقايا جسوم متلاشية» ، وتصيدوا الأصل الذي عنه تولد التلاشي فكان «لا شيء» ، على قاعدة النحت؟! وانظر تاج العروس (لمش) ، (موش) ، شفاء الغليل للخفاجي ص ٥٣.
(٢) باب شارع إلى كذا : مفتوح ونافذ إليه ؛ يريد أن أنسك كان يشمل الناس جميعا من غير تخصيص.
(٣) لهفي : حزني وحسرتي.
(٤) النوى : الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد ؛ وهي مؤنثة.
(٥) مل الدهر : سوف.
(٦) لوى بالدين : تأخر عن أدائه.
(٧) الزجر : التيمن بسنوح الطير ، والتشاؤم ببروحه.
(٨) فهقت : امتلأت.
(٩) الشاني ، ويقال شيني وشونة : المركب المعد للجهاد في البحر ، والجمع شواني. انظر تاج العروس (شون).
(١٠) المشنوء : المبغض.
(١١) الجرب : المصاب بالجرب.
(١٢) المهنوء : الجمل يدهن بالهناء وهو القطران.