والسّلطان ملك النصارى بطره ، (١) قد عاد إلى ملكه بإشبيلية ، وأخوه مجلب عليه بقشتالة ، وقرطبة مخالفة عليه ، قائمة بطائفة من كبار النصارى الخائفين على أنفسهم ، داعين لأخيه ، والمسلمون قد اغتنموا هبوب هذه الرّيح.
وخرق الله لهم عوائد في باب الظّهور والخير ، لم تكن تخطر في الآمال. وقد تلقّب السّلطان ـ أيّده الله ـ بعقب هذه المكيّفات ، ب «الغني بالله» وصدرت عنه مخاطبات ، بمجمل الفتوح ومفصّلها ، يعظم الحرص على إيصالها إلى تلك الفضائل لو أمكن.
وأما ما يرجع إلى ما يتشوّف إليه ذلك الكمال من شغل الوقت ، فصدرت تقاييد ، وتصانيف ، يقال فيها ـ بعد ما أعملته تلك السيادة من الانصراف ـ يا إبراهيم ، ولا إبراهيم اليوم. (٢)
منها : أن كتابا رفع إلى السّلطان في المحبّة ، (٣) من تصنيف ابن أبي حجلة (٤) من المشارقة ، أشار الأصحاب بمعارضته ، فعارضته ، وجعلت الموضوع أشرف ، وهو محبّة الله ، فجاء كتابا (٥) ادّعى الأصحاب غرابته. وقد وجّه إلى المشرق صحبة
__________________
(١) هوPierre le Cruel ، وأخوه ، المجلب عليه ، هو : le Comte Henri de Traslamar ، وانظر بغية الرواد ٢ / ٢٠٦.
وقشتالة (Castille) : كورة كانت تشمل مقاطعتي طليطلة (toledo) وكوينكة (Cuenca). وانظر ياقوت ٧ / ٩٣.
(٢) لعله يشير إلى قوله تعالى : [يا إبراهيم أعرض عن هذا]. آية ٧٦ من سورة هود.
(٣) هو ديوان الصبابة. وقد طبع بمصر سنة ١٣٠٢ ه.
(٤) أبو العباس أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن أبي حجلة التلمساني (٧٢٥ ـ ٧٧٦) أديب صوفي ؛ كان يكثر الحط على أهل «الوحدة» وخصوصا ابن الفارض ؛ وعارض جميع قصائده بقصائد نبوية ، وامتحن بسبب ذلك. وانظر الدرر الكامنة ١ / ٣٢٩.
(٥) يتحدث ابن الخطيب عن كتابه : «روضة التعريف بالحب الشريف» ؛ وهو كتاب يقل أن يوجد نظيره بين كتب التصوف في المكتبة الإسلامية ؛ تحدث فيه عن مذاهب الصوفية ، وعن طريقة أهل «الوحدة المطلقة» ، فنسبه أعداؤه إلى القول بالحلول ، فكان هذا الكتاب من أسباب محنته التي انتهت بقتله رحمهالله. ولا تزال المكتبة الإسلامية تحتفظ بنسخ من هذا الكتاب ؛ وفي المجموعة القيمة من المخطوطات التي صورتها جامعة الدول العربية ثلاث نسخ خطية منه.