العزيز قد جمع شبابا من بني أبيه المرشّحين ، فحبسهم بطنجة ، (١) فلمّا وافى محمد بن الكاس سبتة ، وقعت المراسلة بينه وبين ابن الأحمر ، وعتب كلّ منهما صاحبه على ما كان منه ، واشتدّ عذل ابن الأحمر على إخلائهم الكرسي من كفئه ، ونصبهم السعيد ابن عبد العزيز صبيّا لم يثغر ، فاستعتب له محمد ، واستقال من ذلك ، فحمله ابن الأحمر على أن يبايع لأحد الأبناء المحبوسين بطنجة ، وقد كان الوزير أبو بكر أوصاه أيضا بأنّه إن تضايق عليه الأمر من الأمير عبد الرحمن ، فيفرّج عنه بالبيعة لأحد أولئك الأبناء.
وكان محمد بن الكاس قد استوزره السّلطان أبو سالم لابنه أحمد أيام ملكه ، فبادر من وقته إلى طنجة ، وأخرج أحمد ابن السّلطان أبي سالم (٢) من محبسه ، وبايع له ، وسار به إلى سبتة ، وكتب لابن الأحمر يعرّفه بذلك ، ويطلب منه المدد على أن ينزل له عن جبل الفتح ، فأمدّه بما شاء من المال والعسكر ، واستولى على جبل الفتح ، وشحنه بحاميته ، وكان أحمد ابن السّلطان أبي سالم ، قد تعاهد مع بني أبيه في محبسهم ، على أنّ من صار الملك إليه منهم ، يجيز الباقين إلى الأندلس ، فلمّا بويع له ذهب إلى الوفاء لهم بعهدهم ، وأجازهم جميعا ، فنزلوا على السّلطان ابن الأحمر ، فأكرم نزلهم ووفر جراياتهم. وبلغ الخبر بذلك كلّه إلى الوزير أبي بكر بمكانه من حصار الأمير عبد الرحمن بتازة ، فأخذه المقيم المقعد من فعلة ابن عمّه ، وقوّض (٣) راجعا إلى دار الملك ، وعسكر بكدية العرائس من ظاهرها ،
__________________
(١) انظر مفصل هذه الأحداث في العبر ٧ / ٣٣٨ ـ ٣٤١. وطنجةTanger) ، عرضها الشمالي ٣٥ ـ ٤٨ ، وطولها الغربي ٥ ـ ٤٨) : مدينة معروفة بالمغرب الأقصى ، واقعة على المحيط الأطلنطي ، يفصلها عن أوروبا مضيق جبل طارق الذي يبعد عنها شمالا بنحو ١٨ ميلا.
(٢) هو السّلطان أبو العباس أحمد بن أبي سالم : إبراهيم بن سعيد بن يعقوب بن عبد الحق المريني يلقب بالمستنصر بالله. بويع بطنجة سنة ٧٧٥ ، وتمت له البيعة العامة بالمدينة البيضاء من فاس الجديد سنة ٧٧٩ ؛ وخلع سنة ٧٨٦. وفي سجن أبي العباس هذا ، مات ابن الخطيب السلماني لسان الدين. وانظر سلوة الأنفاس ٣ / ١٦٦ ، الاستقصا ٢ / ١٣٣ ، ١٣٦ ، ١٣٩.
(٣) قوض خيامه : هدمها ، والجيش : فرّقه.