وتوعّد ابن عمّه محمد بن عثمان ، فاعتذر بأنّه إنّما امتثل وصيّته ، فاستشاط وتهدّده ، واتّسع الخرق بينهما ، وارتحل محمد بن عثمان بسلطانه ومدده من عسكر الأندلس إلى أن احتلّ بجبل زرهون (١) المطلّ على مكناسة ، (٢) وعسكر به ، واشتملوا عليه ، وزحف إليهم الوزير أبو بكر ، وصعد الجبل ، فقاتلوه وهزموه ، ورجع إلى مكانه بظاهر دار الملك. وكان السّلطان ابن الأحمر قد أوصى محمد بن عثمان بالاستعانة بالأمير عبد الرحمن ، والاعتضاد به ، ومساهمته في جانب من أعمال المغرب يستبدّ به لنفسه ، فراسله محمّد بن عثمان في ذلك ، واستدعاه ، واستمدّه. وكان ونزمار بن عريف وليّ سلفهم قد أظلم الجوّ بينه وبين الوزير أبي بكر ، لأنه سأله وهو يحاصر تازى ـ في الصلح مع الأمير عبد الرحمن فامتنع واتّهمه بمداخلته ، والميل له ، فاعتزم على القبض عليه ، ودسّ إليه بذلك بعض عيونه ، فركب الليل ، ولحق بأحياء الأحلاف من المعقل ، (٣) وكانوا شيعة للأمير عبد الرحمن ، ومعهم عليّ بن عمر الويعلاني (٤) كبير بني ورتاجّن ، كان انتقض على الوزير ابن غازي ،
__________________
(١) جبل واقع في شمال مدينة مكناسة الزيتون ، على بعد نحو ٣٠ كيلومترا منها ، وبه مدفن المولى إدريس الأكبر مؤسس الدولة الإدريسية بالمغرب. وبالجبل تقع مدينة وليلى Volubilis التاريخية.
(٢) مكناسةMekness) عرضها الشمالي ٣٤ ، وطولها الغربي ٥ ـ ٣٣) : مدينة قديمة أسستها قبيلة مكناسة البربرية قبل الإسلام ؛ وقد ازدهرت أيام بني مرين ، فبنوا فيها المساجد ، والفنادق ، والمدارس ؛ ولا تزال مدرسة أبي عنان بها تلفت الأنظار ، ولا سيما أبوابها النحاسية الزخرفة. وقد اتخذها السّلطان المولى إسمعيل العلوي عاصمة ملكة سنة ١٠٨٤ ه. ولمكناسة ـ من بين مدن المغرب تاريخ حافل ، ولذلك حظيت بعناية المؤرّخين فكتبوا في تاريخها ما خلّد مآثرها. وآخر من خصّها بالبحث المؤرخ الضليع ، المرحوم المولى عبد الرحمن بن زيدان المتوفى سنة ١٣٦٥ ه ؛ فقد ألف فيها كتابه الحافل الذي سمّاه : «إتحاف أعلام الناس ، بجمال أخبار حاضرة مكناس» وقد طبع منه خمس مجلدات بالمغرب.
(٣) يرجح ابن خلدون ـ في المعقل ـ أنهم من عرب اليمن ؛ وهم من أوفر القبائل عددا بالمغرب الأقصى ، وكانت مساكنهم موزعة من تلمسان إلى البحر المحيط ؛ وقد ملكوا قصور زناته التي كانت بالصحراء ، والتي منها قصور «تيكورارين». وانظر العبر ٦ / ٥٨ ـ ٧٠.
(٤) في العبر ٧ / ٣٤٠ : علي بن عمر بن ويعلان ، شيخ بني مرين.