«طلب العلم» الذي كانت مراكزه لا تزال مضيئة هناك (١).
وإحدى تلك الرحلات التي اتجهت من مصر صوب المغرب والأندلس في النصف الثاني من القرن الخامس عشر قام بها عبد الباسط بن خليل الملطي ، ووالده هو خليل الظاهري أحد كبار الإداريين بدولة المماليك ، ومؤلف المدخل الإداري الجغرافي الذي سيأتي الكلام عليه في موضعه. وإذا أمكن أن نستدل من نسبته على أنّه ولد بالشّام ، وذلك في عام ٨٤٤ ه ـ ١٤٤٠ ، إا أنّه نال تعليمه بمصر وأحسّ وهو في سنّ مبكرة بميل خاص إلى دراسة الطب. ولمّا كان المغرب في ذلك العهد لمّا يزل محتفظا بشهرته في مجال دراسة الطب فقد عقد عبد الباسط العزم ، وهو لا يزال في ريعان شبابه ، على السفر إليه لتوسيع معارفه. وتحت ستار التجارة غادر الإسكندرية على ظهر سفينة جنوية في عام ٨٦٦ ه ١٤٦٢ فزار تونس وطرابلس وتلمسان ووهران. ومن وهران أخذ سفينة جنوية أيضا في ديسمبر من عام ١٤٦٥ ، فنزل بمالقة ، وغادرها إلى بلش Veles ، فالحمّة حتى بلغ غرناطة التي كانت تمثل منذ عهد طويل المركز الوحيد الذي تبقّى للإسلام بإسبانيا. ويبدو أن الطريق الذي سلكه قد أصبح منذ وقت طويل الطريق الوحيد إلى غرناطة ، فقد سلكه قبله ابن بطّوطة منذ أكثر من قرن وذلك في عام ٧٥٢ ه ١٣٥١ (٥٢) ـ ١٣٥٢ ، كما سلكه بعد ثلاثين عاما من عبد الباسط وذلك في عام ١٤٩٤ ـ ١٤٩٥. أي عقب سقوط غرناطة ، الرّحّالة الألماني هيرونيم مونتسرH.Muntzer وصفه في كتابه «الرحلة الإسبانية» Lter Hispanicum. ولم يقدر لعبد الباسط أن يحقّق حلمه بزيارة قرطبة على الرغم من أن التجار المسيحيين والمسلمين كانوا يتنقّلون من منطقة إلى أخرى بحريّة تامّة ؛ وكان السبب الذي حال دون ذلك هو أنّ رحّالتنا قد أصيب بجراحة بالغة في معركة شخصية ،
__________________
(١) بمناسبة انتهاء كلام المؤلف على ابن خلدون أرى أن ألفت النظر إلى أن ابن خلدون قد ذكر في ترجمته لسيرة حياته «التعريف» أن تيمور لنك كلّفه بأن يكتب له وصفا دقيقا لبلاد المغرب ففعل ذلك «في مختصر وجيز يكون قدر اثنتي عشرة من الكراريس المنصفة القطع» (ص ٣٧٠) ؛ غير أن هذا الأثر لم يصل إلينا. على أيّة حال فإنّ القصة في حد ذاتها تقف دليلا جديدا على اهتمام ابن خلدون بالجغرافيا. (المترجم).