الطائي (١) قبل اختلاطه ـ إلى غير هؤلاء من مشيخة تونس ، وكلّهم سمعت عليه ، وكتب لي ، وأجازني ؛ ثم درجوا كلّهم في الطاعون الجارف.
وكان قدم علينا في جملة السّلطان أبي الحسن ، عندما ملك إفريقية سنة ثمان وأربعين ، جماعة من أهل العلم ، وكان يلزمهم شهود مجلسه ويتجمّل بمكانهم فيه : فمنهم شيخ الفتيا بالمغرب ، وإمام مذهب مالك ، أبو عبد الله محمد بن سليمان السّطّي (٢) ؛ فكنت أنتاب مجلسه ، وأفدت عليه.
ومنهم كاتب السّلطان أبي الحسن ، وصاحب علامته التي توضع أسافل مكتوباته ، إمام امحدثين والنّحاة بالمغرب ، أبو محمد عبد المهيمن بن عبد المهيمن الحضرمي (٣) ؛ لازمته ، وأخذت عنه ، سماعا ، وإجازة ، الأمهات الست ، وكتاب الموطّأ ، والسّير لابن إسحق ، وكتاب ابن الصّلاح في الحديث ، (٤) وكتبا كثيرة شذّت عن حفظي. وكانت بضاعته في الحديث وافرة ، ونحلته في التقييد والحفظ كاملة ، كانت له خزانة من الكتب تزيد على ثلاثة آلاف سفر ؛ في الحديث ، والفقه ، والعربية ، والأدب ، والمعقول ، وسائر الفنون ؛ مضبوطة كلّها ، مقابلة. ولا يخلو ديوان منها عن ثبت بخط بعض شيوخه المعروفين في سنده إلى مؤلفه ، حتى الفقه ، والعربية ، الغريبة الإسناد إلى مؤلفيها في هذه العصور. ومنهم الشيخ أبو العباس أحمد الزواوي ، (٥) إمام المقرئين بالمغرب. قرأت عليه القرآن العظيم ، بالجمع
__________________
(١) انظر ترجمة لابن هارون في مرآة الجنان ٤ / ٢٣٨.
(٢) سيذكر ترجمة للسطى هذا فيما بعد.
(٣) انظر ترجمة عبد المهيمن الحضرمي هذا في جذوة الاقتباس ص ٢٧٩ ، نثير الجمان لابن الأحمر ص ٨٨ (مخطوطة خاصة) ، نفح الطيب ٣ / ٢٤٣. وفي تاريخ ابن خلدون ٧ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨ حديث عن بيت بني عبد المهيمن.
(٤) يريد مقدمة ابن الصلاح «علوم الحديث».
(٥) أحمد بن محمد بن على الزواوي. روى عن ابن رشيد الفهري ، وأخذ عن مشيخة فاس. كان حيّا سنة ٧٤٨. جذوة الاقتباس ص ٦٠ طبقات القراء ١ / ١٢٥.