المحدّث الرحّالة أبي عبد الله بن رشيد الفهري ، (١) وأبي العبّاس أحمد بن (.......) (٢) العزفي ، والعالم الصّوفي المتجرّد ، أبي عبد الله محمد بن خميس (٣) التّلمساني ، وكانا لا يجاريان في البلاغة والشعر إلى غير هؤلاء ممن كان مختصّا به ، وقد ذكرهم ابن الخطيب في تاريخ غرناطة. فلمّا نكب الوزير ابن الحكيم ، وعادت سبتة إلى طاعة بني مرين عاد عبد المهيمن إليها واستقرّ بها ، ثمّ ولي السّلطان أبو سعيد ، وغلب عليه ابنه أبو علي ، واستبدّ بحمل الدّولة. تشوف إلى استدعاء الفضلاء ، وتجمّل الدولة بمكانهم ، فاستقدم عبد المهيمن من سبتة ، واستكتبه ، سنة اثنتي عشرة ؛ ثم خالف على أبيه سنة أربع عشرة ، وامتنع بالبلد الجديد ، وخرج منها إلى سجلماسة (٤) بصلح عقده مع أبيه ، فتمسّك السّلطان أبو سعيد بعبد المهيمن ، واتخذه كاتبا ، إلى أن دفعه لرياسة الكتّاب ، ورسم علامته في الرسائل والأوامر ، فتقدّم لذلك سنة ثمان عشرة ، ولم يزل عليها سائر أيام السّلطان أبي سعيد وابنه أبي الحسن. وسار مع أبي الحسن إلى إفريقية ، وتخلّف عن واقعة القيروان بتونس ؛ لما كان به علّة النّقرس. فلما كانت الهيعة بتونس ، ووصل خبر الواقعة ، وتحيّز أشياع السّلطان إلى القصبة ، مع حرمه ، تسرّب عبد المهيمن في المدينة ، منتبذا عنهم ، وتوارى في بيتنا ، خشية أن يصاب معهم بمكروه. فلمّا انجلت تلك الغيابة ، وخرج السّلطان من القيراوان إلى سوسة ، وركب منها البحر إلى تونس ،
__________________
(١) أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد ... بن رشيد (مصغرا) الفهري السبتي. محدث رحالة شهير (٦٥٩ ـ ٧٢١). أزهار الرياض ٣ / ٣٤٧ ـ ٣٥٦ ، الجذوة ص ١٨٠.
(٢) هكذا بياض في الأصل ونسخة ش ، ولا يوجد بياض في ز ط. ولعل ابن خلدون ترك الفراغ ليضع فيه آباء أبي العباس العزفي ، فمات قبل أن يفعل. وهي ـ كما في نيل الابتهاج وغيره ـ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي عزفة اللخمى.
(٣) أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد .. الحجري ، التّلمساني ، الشاعر. توفي قتيلا في سنة ٨٠٧ ، وله نيّف وستون سنة. أزهار الرياض ٣ / ٣٠١ ـ ٣٤٠.
(٤) سلجماسة بكسر السين والجيم ، وسكون اللام ، ثم ألف بعدها سين فهاء للتأنيث : مقاطعة في جنوب المغرب تسمى الآن تافيلالت. ياقوت ٥ / ٤١.