أعرض عن عبد المهيمن ، لما سخط غيبته عن قومه بالقصبة ، وجعل العلامة لأبي الفضل ابن الرئيس عبد الله بن أبي مدين ، (١) وقد كانت مقصورة من قبل على هذا البيت ، وأقام عبد المهيمن عطلا من العمل مدة أشهر. ثم أعتبه السّلطان ، ورضي عنه ، وأعاد إليه العلامة كما كان ، وهلك لأيام قلائل بتونس في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين. ومولده سنة خمس وسبعين من المائة قبلها ، وقد استوعب ابن الخطيب التعريف به في تاريخ غرناطة فليطالعه هناك من أحبّ الوقوف عليه.
وأما ابن رضوان (٢) الذي ذكره الرّحوي في قصيدته ، فهو أبو القاسم عبد الله بن يوسف بن رضوان النجاري ؛ أصله من الأندلس ، نشأ بمالقة ، وأخذ عن مشيختها ، وحذق في العربية والأدب ، وتفنّن في العلوم ، ونظم ونثر ، وكان مجيدا في الترسيل ، وحسنا في كتابة الوثائق ؛ وارتحل بعد واقعة طريف ، ونزل بسبتة ، ولقي بها السّلطان أبا الحسن ، ومدحه ، وأجازه ، واختصّ بالقاضي إبراهيم بن أبي يحيى ، (٣) وهو يومئذ قاضي العساكر ، وخطيب السّلطان ، وكان يستنيبه في القضاء والخطابة ؛ ثم نظمه في حلبة الكتّاب بباب السّلطان ؛ واختصّ بخدمة عبد المهيمن رئيس الكتّاب ، والأخذ عنه ، إلى أن رحل السّلطان إلى إفريقية ، وكانت واقعة القيروان ، وانحصر بقصبة تونس من انحصر بها ، من أشياعه مع أهله وحرمه. وكان السّلطان قد تخلّف ابن رضوان هذا بتونس في بعض خدمه ، فجلّى عند الحصار فيما عرض لهم من المكاتبات وتولّى كبر ذلك ، فقام فيه أحسن قيام إلى أن وصل
__________________
(١) عبد الله بن أبي مدين شعيب العثماني. نجم ـ من بيت أبي مدين ـ في خدمة بني مرين ، فقلدوه الحجابة ، ورياسة الكتاب. ولد بقصر كتامة ، ونشأ بمكناسة ، وتعلم بها. نثير الجمان لابن الأحمر ص ٩٧ (نسخة خاصة).
(٢) انظر ترجمة ابن رضوان هذا ، في الاستقصا ٢ / ١٢٣ ، نثير الجمان لابن الأحمر ص ٩١ (نسخة خاصة) ، جذوة الاقتباس ص ١٤٩ ، نفح الطيب ٣ / ٤٦١.
(٣) إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر التسولي التازي أبو إسحق ؛ يعرف بابن أبي يحيى المتوفى بعد سنة ٧٤٨. المرقبة العيا ص ١٣٦ ، الجذوة ص ٨٤ ، الإحاطة ١ / ٢١٧ ، نفح الطيب ٣ / ١٩٨.