السّلطان من القيروان ، فرعى له حقّ خدمته ، تأنيسا ، وقربا ، وكثرة اتعمال ، إلى أن ارتحل من تونس في الأسطول ، إلى المغرب سنة خمسين كما مر. واستخلف بتونس ابنه أبا الفضل (١) وخلّف أبا القاسم بن رضوان كاتبا له ، فأقام كذلك أياما. ثم غلبهم على تونس سلطان الموحّدين الفضل بن السّلطان أبي يحيى. ونجا أبو الفضل إلى أبيه ، ولم يطق ابن رضوان الرحلة معه ، فأقام بتونس حولا ، ثم ركب البحر إلى الأندلس ، وأقام بالمرية مع جملة (من) (٢) هنالك من أشياع السّلطان أبي الحسن ؛ كان فيهم عامر (٣) بن محمد بن علي شيخ هنتاتة ، كافلا لحرم السّلطان أبي الحسن ؛ وابنه ، أركبهم السّفين معه من تونس عندما ارتحل ، فخلصوا إلى الأندلس ، ونزلوا بالمرية ، وأقاموا بها تحت جراية سلطان الأندلس ، فلحق بهم ابن رضوان ، وأقام معهم. ودعاه أبو الحجاج (٤) سلطان الأندلس إلى أن يستكتبه فامتنع ، ثم هلك السّلطان أبو الحسن ، وارتحل مخلّفه الذين كانوا بالمرية. ووفدوا على السّلطان أبي عنان. ووفد معهم ابن رضوان ، فرعى له وسائله في خدمة أبيه ، واستكتبه ، واختصّه بشهود مجلسه ، مع طلبة العلم بحضرته ؛ وكان محمد بن أبي عمرو يومئذ رئيس الدولة ، ونجيّ الخلوة ، وصاحب العلامة ، وحسبان الجباية والعساكر ، قد غلب على هوى السّلطان ، واختصّ به ، فاستخدم له ابن رضوان حتى غلق منه بدمه. ولاية وصحبة ، وانتظاما في السّمر ، وغشيان المجالس الخاصّة ، وهو مع ذلك يدنيه من
__________________
(١) هو أبو الفضل بن السّلطان أبي الحسن ، وأخو السّلطان أبي عنان. انظر تاريخ ابن خلدون ٧ / ٢٩٣ وما بعدها.
(٢) الزيادة عن ز ط.
(٣) عامر بن محمد بن علي ، شيخ هنتاتة من قبائل المصامدة. تولى أحكام الشرطة بتونس في عهد السّلطان أبي الحسن ، وولى الجباية لأبي عنان ، فكفاه مؤنتها ؛ وكان أبو عنان يقول عنه : «وددت لو أصبت رجلا يكفيني ناحية المشرق من سلطاني ، كما كفاني محمد بن عامر ناحية المغرب وأتودع».
ابن خلدون ٧ / ٣٠٠ ، ٣١٧.
(٤) هو سابع ملوك بني الأحمر ، أبو الحجّاج يوسف بن إسماعيل ابن الأحمر. (٧١٨ ـ ٧٥٥) ولي الملك سنة ٧٣٤. اللمحة البدرية ص ٧٩ ـ ١٠٠.