من ينظمه في فقهاء المجلس ، فأشاروا عليه بابن عبد النّور هذا ، فأدناه ، وقرّب مجلسه ، وولاه قضاء عسكره ، ولم يزل في جملته إلى أن هلك في الطاعون بتونس سنة تسع وأربعين. وكان (قد) (١) خلّف بتلمسان أخاه عليا رفيقه في دروس ابن الإمام ، إلا أنّه أقصر باعا منه في الفقه. فلما خلع السّلطان أبو عنان طاعة أبيه السّلطان أبي الحسن ، ونهض إلى فاس ، استنفره في جملته. وولاه قضاء مكناسة ، فلم يزل بها ، حتى إذا تغلّب عمر بن عبد الله على الدّولة كما مر ، نزع إلى قضاء فرضه ، فسرّحه. وخرج حاجا سنة أربع وستين ، فلما قدم على مكّة ، وكان به بقيّة مرض ، هلك في طواف القدوم. وأوصى أمير الحاج على ابنه محمد ، وأن يبلّغ وصيته به للأمير المتغلب على الديار المصرية يومئذ ، يلبغا الخاصكي ، (٢) فأحسن خلافته فيه ، وولاه من وظائف الفقهاء ما سدّ به خلّته ، وصان عن سؤال الناس وجهه ، وكان له ـ عفا الله عنه ـ كلف بعمل الكيمياء ، تابعا لمن غلظ في ذلك من أمثاله. فلم يزل يعاني من ذلك ما يورطه مع الناس في دينه وعرضه ، إلى أن دعته الضرورة للترحل عن مصر ، ولحق ببغداد. وناله مثل ذلك ، فلحق بماردين ، واستقرّ عند صاحبها ، وأحسن جواره ، إلى أن بلغنا بعد التسعين أنّه هلك هنالك حتف أنفه ، والبقاء لله (وحده).
ومنهم شيخ التّعاليم أبو عبد الله محمد بن النّجّار (٣) من أهل تلمسان ؛ أخذ العلم بلده عن مشيختها ، وعن شيخنا الآبليّ ، وبرّز عليه. ثم ارتحل إلى المغرب ، فلقي بسبتة إمام التعاليم ، أبا عبد الله محمد بن هلال شارح المجصطي في الهيئة ، وأخذ بمرّاكش عن الإمام أبي العباس بن البنّاء ، وكان إماما في علوم النّجامة
__________________
(١) الزيادة عن زش.
(٢) هو الأمير المعروف يلبغا بن عبد الله الخاصكي الناصري. تناهت إليه الرياسة ، ولقب نظام الملك ، وبلغت عدة مماليكه ثلاثة آلاف. وسيأتي لابن خلدون الحديث عنه مرة أخرى انظر ترجمته في الدرر الكامنة ٤ / ٤٣٨.
(٣) هو محمد بن علي بن النجار التلمساني أبو عبد الله. ترجمته في نيل الابتهاج ص ٢٤١ ، نفح الطيب ٣ / ١٢٦ ، جذوة الاقتباس ص ١٩٠.