لا يجامع إلّا زانية من المسلمين أو أخس منها وهي المشركة ، والنكاح بمعنى الجماع مروي عن ابن عباس هنا. وقال الزمخشري : وقيل المراد بالنكاح الوطء وليس بقول لأمرين. أحدهما : أن هذه الكلمة أينما وردت في القرآن لم يرد بها إلّا معنى العقد. والثاني : فساد المعنى وأداؤه إلى قولك الزاني لا يزني إلّا بزانية ، والزانية لا تزني إلا بزان انتهى. وما ذكره من الأمر الأول أخذه من الزجاج قال : لا يعرف النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزويج وليس كما قال ، وفي القرآن حتى تنكح زوجا غيره ، وبيّن الرسول صلىاللهعليهوسلم أنه بمعنى الوطء. وأما الأمر الثاني فالمقصود به تشنيع الزنا وتشنيع أمره وأنه محرم على المؤمنين. وقال الزمخشري : وأخذه من الضحاك وحسنه الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا ، والخبث لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء اللاتي على خلاف صفته ، وإنما يرغب في فاسقه خبيثة من شكله ، أو في مشركة. والفاسقة الخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها ، وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة والمشركين ، ونكاح المؤمن الممدوح عند الله الزانية ورغبته فيها وانخراطه بذلك في سلك الفسقة المتسمين بالزنا محرم محظور لما فيه من التشبه بالفساق ، وحضور موقع التهمة والتسبب لسوء القالة فيه والغيبة وأنواع المفاسد ومجالسة الخطائين ، كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام فكيف بمزاوجة الزواني والقحاب وإقدامه على ذلك انتهى.
وعن ابن عمر وابن عباس وأصحابه أنها في قوم مخصوصين كانوا يزنون في جاهليتهم ببغايا مشهورات ، فلما جاء الإسلام وأسلموا لم يمكنهم الزنا فأرادوا لفقرهم زواج أولئك النسوة إذ كن من عادتهن الإنفاق على من ارتسم بزواجهن ، فنزلت الآية بسببهن والإشارة بالزاني إلى أحد أولئك أطلق عليه اسم الزنا الذي كان في الجاهلية وقوله (لا يَنْكِحُ) أي لا يتزوج ، وعلى هذين التأويلين فيه معنى التفجع عليهم وفيه توبيخ كأنه يقول : الزاني لا يريد أن يتزوج إلا زانية أو مشركة ، أي تنزع نفوسهم إلى هذه الخسائس لقلة انضباطهم ، ويرد على هذين التأويلين الإجماع على أن الزانية لا يجوز أن يتزوجها مشرك في قومه (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ). أي نكاح أولئك البغايا ، فيزعم أهل هذين التأويلين أن نكاحهن حرمه الله على أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقال الحسن : المراد الزاني المحدود ، والزانية المحدودة قال : وهذا حكم من الله فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلّا زانية. وقد روي أن محدودا تزوج غير محدودة فردّ