وقرأ عليّ بن أبي طالب والسلمي وابن مقسم وداود بن أبي هند عن مجاهد : ولا يأخذكم بالياء لأن تأنيث الرأفة مجاز وحسن ذلك الفصل. وقرأ الجمهور بالتاء الرأفة لفظا. وقرأ الجمهور (رَأْفَةٌ) بسكون الهمزة وابن كثير بفتحها وابن جريج بألف بعد الهمزة. وروي هذا عن عاصم وابن كثير ، وكلها مصادر أشهرها الأول والرأفة المنهي أن تأخذ المتولين إقامة الحد. قال أبو مجلز ومجاهد وعكرمة وعطاء : هي في إسقاط الحد ، أي أقيموه ولا يدرأ هذا تأويل ابن عمر وابن جبير وغيرهما. ومن مذهبهم أن الحد في الزنا والفرية والخمر على نحو واحد. وقال قتادة وابن المسيب وغيرهما : الرأفة المنهي عنها هي في تخفيف الضرب على الزناة ، ومن رأيهم أن يخفف ضرب الفرية والخمر ويشدد ضرب الزنا.
وقال الزمخشري : والمعنى أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله ويستعملوا الجد والمتانة فيه ، ولا يأخذهم اللين والهوادة في استيفاء حدوده انتهى. فهذا تحسين قول أبي مجلز ومن وافقه. وقال الزهري : يشدّد في الزنا والفرية ويخفف في حد الشرب.
وقال مجاهد والشعبي وابن زيد : في الكلام حذف تقديره (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) فتعطلوا الحدود ولا تقيموها. والنهي في الظاهر للرأفة والمراد ما تدعو إليه الرأفة وهو تعطيل الحدود أو نقصها ومعنى (فِي دِينِ اللهِ) في الإخلال بدين الله أي بشرعه. قيل : ويحتمل أن يكون الدين بمعنى الحكم (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) تثبيت وحض وتهييج للغضب لله ولدينه ، كما تقول : إن كنت رجلا فافعل ، وأمر تعالى بحضور جلدهما طائفة إغلاظا على الزناة وتوبيخا لهم بحضرة الناس ، وسمى الجلد عذابا إذ فيه إيلام وافتضاح وهو عقوبة على ذلك الفعل ، والطائفة المأمور بشهودها ذلك يدل الاشتقاق على ما يكون يطوف بالشيء وأقل ما يتصور ذلك فيه ثلاثة وهي صفة غالبة لأنها الجماعة الحافة بالشيء. وعن ابن عباس وابن زيد في تفسيرها أربعة إلى أربعين. وعن الحسن : عشرة. وعن قتادة والزهري : ثلاثة فصاعدا. وعن عكرمة وعطاء : رجلان فصاعدا وهو مشهور قول مالك. وعن مجاهد : الواحد فما فوقه واستعمال الضمير الذي للجمع عائدا على الطائفة في كلام العرب دليل على أنه يراد بها الجمع وذلك كثير في القرآن.
(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الظاهر أنه خبر قصد به تشنيع الزنا وأمره ، ومعنى (لا يَنْكِحُ) لا يطأ وزاد المشركة في التقسيم ، فالمعنى أن الزاني في وقت زناه