العاقل ، أولا حذف ، ولكنه اكتسى من إضافته للمذكر العاقل وصفه ، فأخبر عنه إخباره ، كما يكتسي المذكر التأنيث من إضافته إلى المؤنث في نحو : كما شرقت صدر القناة من الدم أولا حذف ، ولكنه لما وضعت لفعل لا يكون إلا مقصودا للعاقل وهو الخضوع ، جمعت جمعه كما جاء : (أَتَيْنا طائِعِينَ) (١). وقرأ عيسى ، وابن أبي عبلة : خاضعة. وعن ابن عباس : نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية ، ستكون لنا عليهم الدولة ، فتذل أعناقهم بعد معاوية ، ويلحقهم هوان بعد عز. (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) : تقدم تفسيره في الأنبياء. (إِلَّا كانُوا) : جملة حالية ، أي إلا يكونوا عنها. وكان يدل ذلك أن ديدنهم وعادتهم الإعراض عن ذكر الله. قال الزمخشري : فإن قلت : كيف خولف بين الألفاظ والغرض واحد ، وهو الإعراض؟ قلت : كان قبل حين أعرضوا عن الذكر ، فقد كذبوا به ، وحين كذبوا به ، فقد خف عليهم قدره وصار عرضة الاستهزاء بالسخرية ، لأن من كان قابلا للحق مقبلا عليه ، كان مصدقا به لا محالة ، ولم يظن به التكذيب. ومن كان مصدقا به ، كان موقرا له. انتهى.
(فَسَيَأْتِيهِمْ) : وعيد بعذاب الدنيا ، كيوم بدر ، وعذاب الآخرة. ولما كان إعراضهم عن النظر في صانع الوجود ، وتكذيب ما جاءتهم به رسله من أعظم الكفر ، وكانوا يجعلون الأصنام آلهة ، نبه تعالى على قدرته ، وأنه الخالق المنشئ الذي يستحق العبادة بقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ)؟ والزوج : النوع. وقيل : الشيء وشكله. وقيل : أبيض وأسود وأحمر وأصفر وحلو وحامض. وقال الفراء : الزوج : اللون. والكريم : الحسن ، قاله مجاهد وقتادة. وقيل : ما يأكله الناس والبهائم. وقيل : الكثير المنفعة. وقيل : الكريم صفة لكل ما يرضى ويحمد. وجه كريم : مرضي في حسنه وجماله ؛ وكتاب كريم : مرضي في معانيه وفوائده. وقال : حتى يشق الصفوف من كرمه ، أي من كونه مرضيا في شجاعته وبأسه ، ويراد الأشياء التي بها قوام الأمور ، والأغذية والنباتات ، ويدخل في ذلك الحيوان لأنه عن اثنين. قال تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (٢). قال الشعبي : الناس من نبات الأرض ، فمن صار إلى الجنة فهو كريم ، ومن صار إلى النار فبضد ذلك.
قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى الجمع بين كم وكل؟ ولو قيل : (أَنْبَتْنا فِيها مِنْ
__________________
(١) سورة فصلت : آية ٤١ / ١١.
(٢) سورة نوح : آية ٧١ / ٩٧.