مُصْبِحِينَ) (١) ، والمعنى : تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها عليّ. وقال الزجاج : يجوز أن يكون في موضع نصب ، المعنى أنها صارت نعمة عليّ ، لأن عبدت بني إسرائيل ، أي لو لم تفعل لكفلني أهلي ولم يلقوني في اليم. انتهى. وقال الحوفي : (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) في موضع نصب مفعول من أجله. وقال أبو البقاء : بدل ، ولما أخبر موسى فرعون بأنه رسول رب العالمين ، لم يسأل إذ ذاك فيقول : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)؟ بل أخذ في المداهاة وتذكار التربية والتقبيح لما فعله من قتل القبطي. فلما أجابه عن ذلك انقطعت حجته في التربية والقتل ، وكان في قوله : (رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) دعاء إلى الإقرار بربوبية الله ، وإلى طاعة رب العالم ، فأخذ فرعون يستفهم عن الذي ذكر موسى أنه رسول من عنده. والظاهر أن سؤاله إنما كان على سبيل المباهتة والمكابرة والمرادّة ، وكان عالما بالله. ويدل عليه : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) (٢) ، ولكنه تعامى عن ذلك طلبا للرياسة ودعوى الإلهية ، واستفهم بما استفهاما عن مجهول من الأشياء. قال مكي : كما يستفهم عن الأجناس ، وقد ورد له استفهام بمن في موضع آخر ، ويشبه أنها مواطن. انتهى. والموضع الآخر قوله : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى)؟ (٣) ولما سأله فرعون ، وكان السؤال بما التي هي سؤال عن الماهية ، ولم يمكن الجواب بالماهية ، أجاب بالصفات التي تبين للسامع أنه لا مشاركة لفرعون فيها ، وهي ربوبية السموات والأرض وما بينهما. وقال الزمخشري : وهذا السؤال لا يخلو أن يريد به أي شيء من الأشياء التي شوهدت وعرفت أجناسها ، فأجاب بما يستدل عليه من أفعاله الخاصة ، ليعرفه أنه ليس مما شوهد وعرف من الأجرام والأعراض ، وأنه شيء مخالف لجميع الأشياء ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). وأما أن يريد أنه شيء على الإطلاق تفتيشا عن حقيقة الخاصة ما هي ، فأجاب بأن الذي سألت عنه ليس إليه سبيل ، وهو الكافي في معرفته معرفة بيانه بصفاته استدلالا بأفعاله الخاصة على ذلك ؛ وأما التفتيش عن حقيقة الخاصة التي هي فوق فطر العقول ، فتفتيش عما لا سبيل إليه ، والسائل عنه متعنت غير طالب للحق. والذي يليق بحال فرعون ، ويدل عليه الكلام ، أن كون سؤاله إنكارا لأن يكون للعالمين رب سواه ، ألا ترى أنه يعلم حدوثه بعد العدم؟ وأنه محل للحوادث؟ وأنه لم يدعّ الإلهية إلا في محل ملكه مصر؟ وأنه لم يكن ملك الأرض؟ بل كان فيها ملوك غيره ، وأنبياء في ذلك الزمان يدعون إلى الله كشعيب عليه
__________________
(١) سورة الحجر : ١٥ / ٦٦.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ١٠١.
(٣) سورة طه : ٢٠ / ٤٩.