السلام؟ وأنه كان مقرا بالله تعالى في باطن أمره؟ وجاء قوله : (وَما بَيْنَهُمَا) على التثنية ، والعائد عليه الضمير مجموع اعتبارا للجنسين : جنس السماء ، وجنس الأرض ؛ كما ثنى المظهر في قوله :
بين رماحي مالك ونهشل
اعتبارا للجنسين : وقال أبو عبد الله الرازي يحتمل أن يقال : كان عالما بالله ولكنه قال ما قال طلبا للملك والرياسة. وقد ذكر تعالى في كتابه ما يدل على أنه كان عارفا بالله ، وهو قوله : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) الآية. ويحتمل أنه كان على مذهب الدهرية من أن الأفلاك واجبة الوجود لذواتها ، وأن حركاتها أسباب لحصول الحوادث بالفاعل المختار ، ثم اعتقد أنه بمنزلة إله لأهل إقليمه من حيث استعبدهم وملك زمام أمرهم. ويحتمل أن يقال : كان على مذهب الحلولية القائلين : بأن ذات الإله تقرر بجسد إنسان معين حتى يكون الإله سبحانه بمنزلة روح كل إنسان بالنسبة إلى جسده ، وبهذه التقديرات كان يسمي نفسه إلها. انتهى. ومعنى : (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) : إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إلى النظر الصحيح ، نفعكم هذا الجواب ، وإلا لم ينفعكم ؛ أو إن كنتم موقنين بشيء قط ، فهذا أولى ما توقنون به لظهوره وإنارة دليله. وهذه المحاورة من فرعون تدل على أن موسى عليهالسلام دعاه إلى التوحيد.
(قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ) : هم أشراف قومه. قيل : كانوا خمسمائة رجل عليهم الأساور ، وكانت للملوك خاصة. (أَلا تَسْتَمِعُونَ) : أي ألا تصغون إلى هذه المقالة إغراء به وتعجبا ، إذ كانت عقيدتهم أن فرعون ربهم ومعبودهم. قال ابن عطية : والفراعنة قبله كذلك ، وهذه ضلالة منها في مصر وديارنا إلى اليوم بقية. انتهى. يشير إلى ما أدركه في عصره من ملوك العبيديين الذين كان أتباعهم تدعى فيهم الإلهية ، وأقاموا ملوكا بمصر ، من زمان المعز إلى زمان العاضد ، إلى أن محى الله دولتهم بظهور الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاري رضياللهعنه ، فلقد كانت له مآثر في الإسلام منها : فتح بيت المقدس وبلاد كثيرة من سواحل الشام ، كان النصارى مستولين عليها ، فاستنقذها منهم. (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) : نبههم على منشئهم ومنشىء آبائهم ، وجاء في قوله : الأولين ، دلالة على إماتتهم بعد إيجادهم. وانتقل من الاستدلال بالعام إلى ما يخصهم ، ليكون أوضح لهم في بيان بطل دعوى فرعون الإلهية ، إذ كان آباؤهم الأولون تقدموا فرعون في الوجود ، فمحال أن يكون وهو في العدم إلها لهم.