كأنه إخبار بحال الرامين بعد انقضاء الموصول المتضمن معنى الشرط وما ترتب في خبره من الجلد وعدم قبول الشهادة أبدا.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) هذا الاستثناء يعقب جملا ثلاثة ، جملة الأمر بالجلد وهو لو تاب وأكذب نفسه لم يسقط عنه حد القذف ، وجملة النهي عن قبول شهادتهم أبدا وقد وقع الخلاف في قبول شهادتهم إذا تابوا بناء على أن هذا الاستثناء راجع إلى جملة النهي ، وجملة الحكم بالفسق أو هو راجع إلى الجملة الأخيرة وهي الثالثة وهي الحكم بفسقهم ، والذي يقتضيه النظر أن الاستثناء إذا تعقب جملة يصلح أن يتخصص كل واحد منها بالاستثناء أن يجعل تخصيصا في الجملة الأخيرة ، وهذه المسألة تكلم عليها في أصول الفقه وفيها خلاف وتفصيل ، ولم أر من تكلم عليها من النحاة غير المهاباذي وابن مالك فاختار ابن مالك أن يعود إلى الجمل كلها كالشرط ، واختار المهاباذي أن يعود إلى الجملة الأخيرة وهو الذي نختاره ، وقد استدللنا على صحة ذلك في كتاب التذييل والتكميل في شرح التسهيل. وقال الزمخشري : وجعل يعني الشافعي الاستثناء متعلقا بالجملة الثانية وحق المستثنى عنده أن يكون مجرور بدلا من هم في (لَهُمْ) وحقه عند أبي حنيفة النصب لأنه عن موجب ، والذي يقتضيه ظاهر الآية ونظمها أن تكون الجمل الثلاث مجموعهن جزاء الشرط يعني الموصول المضمن معنى الشرط كأنه قيل : ومن قذف المحصنات فاجلدوه وردوا شهادته وفسّقوه أي أجمعوا له الحد والرد والفسق.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) عن القذف (وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فينقلبون غير محدودين ولا مردودين ولا مفسقين انتهى. وليس يقتضي ظاهر الآية عود الاستثناء إلى الجمل الثلاث ، بل الظاهر هو ما يعضده كلام العرب وهو الرجوع إلى الجملة التي تليها والقول بأنه استثناء منقطع مع ظهور اتصاله ضعيف لا يصار إليه إلّا عند الحاجة.
ولما ذكر تعالى قذف المحصنات وكان الظاهر أنه يتناول الأزواج وغيرهن ولذلك قال سعد بن عبادة : يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء والله لأضربنه بالسيف غير مصفح ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم عزم على حد هلال بن أمية حين رمى زوجته بشريك بن سحماء فنزلت (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) واتضح أن المراد بقوله (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) غير الزوجات ، والمشهور أن نازلة هلال قبل نازلة عويمر. وقيل : نازلة عويمر قبل ، والمعنى بالزنا ولم يكن لهم شهداء ولم يقيد بعدد اكتفاء بالتقييد في قذف غير الزوجات ، والمعنى (شُهَداءُ) على صدق قولهم. وقرئ ولم تكن بالتاء.