البحر ، فيقال له في ترك الطريق ، فيقول : هكذا أمرت. فلما أصبح ، علم فرعون بسري موسى ببني إسرائيل ، فخرج في أثرهم ، وبعث إلى مدائن مصر ليحلقه العساكر. وذكروا أعدادا في أتباع فرعون وفي بني إسرائيل ، الله أعلم بصحة ذلك. (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ) : أي قال إن هؤلاء وصفهم بالقلة ، ثم جمع القليل فجعل كل حزب قليلا ، جمع السلامة الذي هو للقلة ، وقد يجمع القليل على أقلة وقلل ، والظاهر تقليل العدد. قال الزمخشري : ويجوز أن يريد بالقلة : الذلة والقماءة ، ولا يريد قلة العدد ، والمعنى : أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا تتوقع غفلتهم ، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا وتضيق صدورنا ، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور ، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم يساره ، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن ، لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه. انتهى. قال أبو حاتم : وقرأ من لا يؤخذ عنه : (لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) ، وليست هذه موقوفة. انتهى. يعني أن هذه القراءة ليست موقوفة على أحد رواها عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقيل : (لَغائِظُونَ) : أي بخلافهم وأخذهم الأموال حين استعاروها ولم يردوها ، وخرجوا هاربين.
وقرأ الكوفيون ، وابن ذكوان ، وزيد بن علي : (حاذِرُونَ) ، بالألف ، وهو الذي قد أخذ يحذر ويجدد حذره ، وحذر متعد. قال تعالى : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) (١). وقال العباس بن مرداس :
وإني حاذر أنمي سلاحي |
|
إلى أوصال ذيال صنيع |
وقرأ باقي السبعة : بغير ألف وهو المتيقظ. وقال الزجاج : مؤدون ، أي ذوو أدوات وسلاح ، أي متسلحين. وقيل : حذرون في الحال ، وحاذرون في المآل. وقال الفراء : الحاذر : الخائف ما يرى ، والحذر : المخلوق حذرا. وقال أبو عبيدة : رجل حذر وحذر وحاذر بمعنى واحد. وذهب سيبويه إلى أن حذرا يكون للمبالغة ، وأنه يعمل كما يعمل حاذر ، فينصب المفعول به ، وأنشد :
حذر أمورا لا تضير وآمن |
|
ما ليس منجيه من الأقدار |
وقد نوزع في ذلك بما هو مذكور في كتب النحو. وعن الفراء أيضا ، والكسائي : رجل حذر ، إذا كان الحذر في خلقته ، فهو متيقظ منتبه. وقرأ سميط بن عجلان ، وابن أبي
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٩.