وقال الزمخشري : وإنما قال : مرضت دون أمرضني ، لأن كثيرا من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك. ومن ثم قال الحكماء : لو قيل لأكثر الموتى : ما سبب آجالكم؟ لقالوا : التخم ، ولما كان الشفاء قد يعزى إلى الطيب ، وإلى الدواء على سبيل المجاز ؛ كما قال : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) (١) ، أكد بقوله : (فَهُوَ يَشْفِينِ) : أي الذي هو يهدين ويطعمني ويسقين هو الله لا غيره.
ولما كانت الإماتة بعد البعث ، لا يمكن إسنادها إلا إلى الله ، لم يحتج إلى توكيد ودعوى نمروذ الإماتة والإحياء هي منه على سبيل المخرفة والقحة ، وكذلك لم يحتج إلى تأكيد في : (وَالَّذِي أَطْمَعُ). وأثبت ابن أبي إسحاق ياء المتكلم في يهديني وما بعده ، وهي رواية عن نافع. والطمع عبارة عن الرجاء ، وإبراهيم عليهالسلام كان جازما بالمغفرة. فقال الزمخشري : لم يجزم القول بالمغفرة ، وفيه تعليم لأممهم ، وليكون لطفا بهم في اجتناب المعاصي والحذر منها ، وطلب المغفرة مما يفرط منهم. انتهى. ورده الرازي قال : لأن حاصله يرجع إلى أنه ، ونطق بكلمة لا أذكرها ، وبعدها على نفسه لأجل تعليم الأمة ، وهو باطل قطعا. وقال الجبائي : أراد به سائر المؤمنين ، لأنهم الذين يطمعون ولا يقطعون. ورده الرازي بأن جعل كلام الواحد من كلام غيره ، مما يبطل نظم الكلام. وقال الحسن : المراد بالطمع اليقين. وقال الرازي : لا يستقيم هذا إلا على مذهبنا ، حيث قلنا : إنه لا يجب على الله شيء ، وإنه يحسن منه كل شيء ، ولا اعتراض لأحد عليه في فعله. وقال ابن عطية : أوقف عليه الصلاة والسلام نفسه على الطمع في المغفرة ، وهذا دليل على شدة خوفه مع منزلته وخلته.
وقرأ الجمهور : (خَطِيئَتِي) على الإفراد ، والحسن : خطاياي على الجمع ، وذهب الأكثرون إلى أنها قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) (٢) ، و (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) (٣) ، وهي أختي في سارة. وقالت فرقة : أراد بالخطيئة اسم الجنس ، قدرها في كل أمره من غير تعيين. قال ابن عطية : وهذا أظهر عندي ، لأن تلك الثلاث قد خرجها كثير من العلماء على المعاريض. وقال الزمخشري : المراد ما يندر منه في بعض الصغائر ، لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون مختارون على العالمين ، وهي قوله وذكر الثلاثة ثم قال وما هي إلا معاريض ، كلام وتخيلات للكفرة ، وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار. فإن قلت : إذا لم يندر منهم
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٦٩.
(٢) سورة الصافات : ٣٩ / ٨٧.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٣.