شملتهم الغواية. وقيل : الضمير يعود على الكفار ، والغاوون : الشياطين. (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ) : قبيلة ، وكل من تبعه فهو جند له وعون. وقال السدّي : هم مشركو العرب ، والغاوون : سائر المشركين. وقيل : هم القادة والسفلة ، قالوا : أي عباد الأصنام ، والجملة بعده حال ، والمقول جملة القسم ومتعلقه ، والخطاب في (نُسَوِّيكُمْ) للأصنام على جهة الإقرار والاعتراف بالحق. قال ابن عطية : أقسموا بالله إن كنا إلا ضالين في أن نعبدكم ونجعلكم سواء مع الله تعالى ، الذي هو رب العالمين وخالقهم ومالكهم. انتهى. وقوله : إن كنا إلا ضالين ، إن أراد تفسير المعنى فهو صحيح ، وإن أراد أن إن هنا نافية ، واللام في لفي بمعنى إلا ، فليس مذهب البصريين ، وإنما هو مذهب الكوفيين. ومذهب البصريين في مثل هذا أن إن هي المخففة من الثقيلة ، وأن اللام هي الداخلة للفرق بين إن النافية وإن التي هي لتأكيد مضمون الجملة.
(وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) : أي أصحاب الجرائم والمعاصي العظام والجرأة ، وهم ساداتهم ذوو المكانة في الدنيا والاستتباع كقولهم : (أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) (١). وقال السدي : هم الأولون الذين اقتدوا بهم. وقيل : المجرمون : الشياطين ، وقيل : من دعاهم إلى عبادة الأصنام من الجن والإنس. وقال ابن جريج : إبليس وابن آدم القاتل ، لأنه أول من سن القتل وأنواع المعاصي. وحين رأوا شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء نافعة في أهل الإيمان ، وشفاعة الصديق في صديقه خاصة ، قالوا على جهة التلهف والتأسف ، (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ). وقال ابن جريج : شافعين من الملائكة وصديق من الناس. ولفظة الشفيع تقتضي رفعة مكانة عند المشفوع عنده ، ولفظة الصديق تقتضي شدة مساهمة ونصرة ، وهو فعيل من صدق الود من أبنية المبالغة ونفي الشفعاء. والصديق يحتمل أن يكون نفيا لوجودهم إذ ذاك ، وهم موجودون للمؤمنين ، إذ تشفع الملائكة وتتصادق المؤمنون ، كما قال : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين ، أو ذلك على حسب اعتقادهم في معبوداتهم أنهم شفعاؤهم عند الله ، وأن لهم أصدقاء من الإنس والشياطين ، فقصدوا بنفيهم نفي ما يتعلق بهم من النفع ، لأن ما لا ينفع ، حكمه حكم المعدوم ، فصار المعنى : فما لنا من نفع من كنا نعتقد أنهم شفعاء وأصدقاء ، وجمع الشفعاء لكثرتهم في العادة. ألا ترى أنه يشفع فيمن وقع في ورطة من لا يعرفه ، وأفرد الصديق لقلته ، وأريد به الجمع؟ إذ يقال : هم صديق ، أي أصدقاء ، كما
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦٧.