عليهالسلام ، فيفسر قولهم : الأرذلون ، بما هو الرذالة عنده من سوء الأعمال وفساد العقائد ، ولا يلتفت إلى ما هو الرذالة عندهم. ثم بنى جوابه على ذلك فيقول : ما عليّ إلا اعتبار الظواهر ، دون التفتيش على أسرارهم والشق عن قلوبهم ، وإن كان لهم شيء ، فالله محاسبهم ومجازيهم ، وما أنا إلا منذر لا محاسب ، ولا مجاز ، لو تشعرون ذلك ، ولكنكم تجهلون ، فتنساقون مع الجهل حيث سيركم. وقصد بذلك رد اعتقادكم ، وإنكار أن يسمى المؤمن رذلا ، وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسبا. فإن الغنى غنى الدين ، والنسب نسب التقوى. انتهى. وهو تكثير. وقال الحوفي : وما علمي ، ما نافية ، والباء متعلقة بعلمي. انتهى. وهذا التخريج يحتاج فيه إلى إضمار خبر حتى تصير جملة ولما كانوا لا يصدقون بالحساب ولا بالبعث ، أردفه بقوله : (لَوْ تَشْعُرُونَ) ، أي بأن المعاد حق ، والحساب حق. وقرأ الجمهور : تشعرون بتاء الخطاب. وقرأ الأعرج ، وأبو زرعة ، وعيسى بن عمر الهمداني : بياء الغيبة.
(وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) : هذا مشعر بأنهم طلبوا منه ذلك فأجابهم بذلك ، كما طلب رؤساء قريش من رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يطرد من آمن من الضعفاء ، فنزلت : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) (١) الآية ، أي لا أطردهم عني لاتباع شهواتكم والطمع في إيمانكم. (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ، ما جئت به بالبرهان الصحيح الذي يميز به الحق من الباطل. ولما اعتلوا في ترك إيمانهم بإيمان من هو دونهم ، دل ذلك على أنهم لم تثلج صدورهم للإيمان ، إذ اتباع الحق لا يأنف منه أحد لوجود الشركة فيه ، أخذوا في التهديد والوعيد.
(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ) عن تقبيح ما نحن عليه ، وادعائك الرسالة من الله ، (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) ، أي بالحجارة. وقيل : بالشتم. وأيس إذ ذاك من فلاحهم ، فنادى ربه ، وهو أعلم بحاله : (إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ) ، فدعائي ليس لأجل أنهم آذوني ، ولكن لأجل دينك. (فَافْتَحْ) ، أي فاحكم. ودعا لنفسه ولمن آمن به بالنجاة ، وفي ذلك إشعار بحلول العذاب بقومه ، أي : (وَنَجِّنِي) مما يحل بهم. وقيل : ونجني من عملهم لأنه سبب العقوبة. والفلك واحد وجمع ، وغالب استعماله جمعا لقوله : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) (٢) ، (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) (٣) ، فحيث أتى في غير فاصلة ، استعمل جمعا ، وحيث كان فاصلة ، استعمل مفردا لمراعاة الفواصل ، كهذا الموضع. والذي في سورة يس ، وتقدّم الخلاف إذا كان مدلوله جمعا ، أهو جمع تكسير ، أم اسم جمع؟ والمشحون ، قال ابن عباس : الموقر ، وقال عطاء : المثقل. (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ) : أي بعد نجاة نوح والمؤمنين.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٥٢.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ١٤.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٦٤.