أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ ، وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ، وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ، قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ، ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ، وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ ، فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
(أَتُتْرَكُونَ) : يجوز أن يكون إنكارا لأن يتركوا مخلدين في نعيمهم لا يزولون عنه ، وأن يكون تذكيرا بالنعمة في تخلية الله إياهم وما يتنعمون فيه من الجنات ، وغير ذلك مع الأمن والدعة ، قاله الزمخشري. وقال ابن عطية : تخويف لهم ، بمعنى : أتطمعون إن كفرتم في النعم على معاصيكم؟ وقيل : أتتركون؟ استفهام في معنى التوبيخ ، أي أيترككم ربكم؟ (فِي ما هاهُنا) : أي فيما أنتم عليه في الدنيا (آمِنِينَ) : لا تخافون بطشه. انتهى. وما موصولة ، وهاهنا إشارة إلى المكان الحاضر القريب ، أي في الذي استقر في مكانكم هذا من النعيم. و (فِي جَنَّاتٍ) بدل من ما هاهنا أجمل ، ثم فصل ، كما أجمل هود عليهالسلام في قوله : (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) ، ثم فصل في قوله : (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) ، وكانت أرض ثمود كثيرة البساتين والماء والنخل. والهضيم ، قال ابن عباس : إذا أينع وبلغ. وقال الزهري : الرخص اللطيف أول ما يخرج. وقال الزجاج : الذي رطبه بغير نوى. وقال الضحاك : المنضد بعضه على بعض. وقيل : الرطب المذنب. وقيل : النضيج من الرطب. وقيل : الرطب المتفتت. وقيل : الحماض الطلع ، ويقارب قشرته من الجانبين من قولهم : خصر هضيم. وقيل : العذق المتدلي. وقيل : الجمار الرخو. وجاء قوله : (وَنَخْلٍ) بعد قوله : (فِي جَنَّاتٍ) ، وإن كانت الجنة تتناول النخل أول شيء ، ويطلقون الجنة ، ولا يريدون بها إلا النخل ، كما قال الشاعر :
كأن عيني في غربي مقتلة |
|
من النواضح تسقي جنة سحقا |
أراد هنا النخل. والسحق جمع سحوق ، وهي التي ذهبت بجردتها صعدا فطالت. فأفرد (وَنَخْلٍ) بالذكر بعد اندراجه في لفظ جنات ، تنبيها على انفراده عن شجر الجنة بفضله. أو أراد بجنات غير النخل من الشجر ، لأن اللفظ صالح لهذه الإرادة ، ثم عطف عليه ونخل ، ذكرهم تعالى نعمه في أن وهب لهم أجود النخل وأينعه ، لأن الإناث ولادة التمر ، وطلعها فيه لطف ، والهضيم : اللطيف الضامر ، والبرني ألطف من طلع اللون. ويحتمل