ربك الناقة ، ففعل ؛ فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم ، ونتجت سقبا مثلها في العظم. وتقدم في الأعراف طرف من قصة ثمود والناقة ، والشرب النصيب المشروب من الماء نحو السقي. وقرأ ابن أبي عبلة : شرب ، بضم الشين فيهما ، وظاهر هذا العذاب أنه في الدنيا ، وكذا وقع ووصف بالعظم لحلول العذاب فيه ، ووصفه به أبلغ من وصف العذاب به ، لأن الوقت إذا عظم بسبب العذاب ، كان موقع العذاب من العظم أشد. ونسب العقر إلى جميعهم ، لكونهم راضين بذلك ، حتى روي أنهم استرضوا المرأة في خدرها والصبيان ، فرضوا جميعا.
(فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) ، لا ندم توبة ، بل ندم خوف أن يحل بهم العذاب عاجلا ، وذلك عند معاينة العذاب في غير وقت التوبة. أصبحوا وقد تغيرت ألوانهم حسبما كان أخبرهم به صالح عليهالسلام ، وكان العذاب صيحة خمدت لها أبدانهم ، وانشقت قلوبهم ، وماتوا عن آخرهم ، وصب عليهم حجارة خلال ذلك. وقيل : كانت ندامتهم على ترك عقر الولد ، وهو قول بعيد. وأل في : (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) للعهد في العذاب السابق ، عذاب ذلك اليوم العظيم.
(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ، وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ ، أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ ، وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ ، قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ، قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ ، رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ، فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ ، ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ ، وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
(أَتَأْتُونَ) : استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ ؛ و (الذُّكْرانَ) : جمع ذكر ، مقابل الأنثى. والإتيان : كناية عن وطء الرجال ، وقد سماه تعالى بالفاحشة فقال : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) (١) ، هو مخصوص بذكران بني آدم. وقيل : مخصوص بالغرباء. (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ) : ظاهر في كونهم لا يأتون النساء ، إما البتة ، وإما غلبة. (ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ) : يدل على الإباحة بشرطها. (مِنْ أَزْواجِكُمْ) : أي من الإناث. ومن إما
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٨٠.