وهو واقف بعرفة : «جملي هذا أعجم ، فلو أنزل عليه ما كانوا يؤمنون». والعجمي هو الذي نسبته في العجم ، وإن كان أفصح الناس. انتهى. وفي التحرير : (الْأَعْجَمِينَ) : جمع أعجم على التخفيف ، ولو لا هذا التقدير لم يجز أن يجمع جمع سلامة. قيل : والمعنى ولو نزلناه بلغة العجم على رجل أعجمي فقرأه على العرب ، لم يؤمنوا به ، حيث لم يفهموه ، واستنكفوا من اتباعه. وقيل : ولو نزلنا القرآن على بعض العجم من الدواب فقرأه عليهم ، لم يؤمنوا ، لعنادهم لقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) (١) الآية ، وجمع جمع السلامة ، لأنه وصف بالإنزال عليه والقراءة ، وهو فعل العقلاء. وقيل : ولو نزل على بعض البهائم ، فقرأه عليهم محمد صلىاللهعليهوسلم ، لم تؤمن البهائم ، كذلك هؤلاء لأنهم : (كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٢) انتهى.
ولما بين بما تقدم ، من أن هذا القرآن في كتب الأولين ، وأن علماء بني إسرائيل يعلمون ذلك ، وكان في ذلك دليلين على صدق نبوّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بين أن هؤلاء الكفار لا تجدي فيهم الدلائل. ألا ترى نزوله على رجل عربي بلسان عربي ، وسمعوه وفهموه وأدركوا إعجازه وتصديق كتب الله القديمة له ، ومع ذلك جحدوا وسموه تارة شعرا وتارة سحرا؟ ولو نزل على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية ، لكفروا به وتمحلوا بجحوده. وقال الفراء : الأعجمين جمع أعجم أو أعجمي ، على حذف ياء النسب ، كما قالوا : الأشعرين ، وواحدهم أشعري. وقال ابن الجهم : قال الكميت :
ولو جهزت قافية شرودا |
|
لقد دخلت بيوت الأشعرينا |
انتهى. وقرأ الحسن ، وابن مقسم : الأعجميين ، بياء النسب : جمع أعجمي. والضمير في (سَلَكْناهُ) ، الظاهر أنه عائد على ما عادت عليه الضمائر. قيل : وهو القرآن ، وقاله الرماني. والمعنى : مثل ذلك السلك ، وهو الإدخال والتمكين والتفهيم لمعانيه. (سَلَكْناهُ) : أدخلناه ومكناه في (قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ). والمعنى : ما ترتب على ذلك السلك من كونهم فهموه وأدركوه ، ولم يزدهم ذلك إلا عنادا وجحودا وكفرا به ، أي على مثل هذه الحالة وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له ، كما وضعناه فيها. فكيف ما يرام إيمانهم به لم يتغير؟ وأعماهم عليه من الإنكار والجحود ، كما قال : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) (٣) الآية. وقال الكرماني : أدخلناه فيها ، فعرفوا معانيه ، وعجزهم عن الإتيان
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١١٠.
(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ٤٤.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ٧.