بمثله ، ولم يؤمنوا به. وقال يحيى بن سلام : الضمير في سلكناه يعود على التكذيب ، فذلك الذي منعهم من الإيمان. انتهى. ويقويه قوله : (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ). وقال الحسن : الضمير يعود على الكفر الذي يتضمنه قوله : (ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ). انتهى. وهو قريب من القول الذي قبله. وقال عكرمة : سلكناه ، أي القسوة ، وأسند السلك تعالى إليه ، لأنه هو موجد الأشياء حقيقة ، وهو الهادي وخالق الضلال.
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف أسند السلك بصفة التكذيب إلى ذاته؟ قلت : أراد به الدلالة على تمكنه مكذبا في قلوبهم أشد التمكين وأثبته ، فجعله بمنزلة أمر قد جبلوا عليه. ألا ترى إلى قولهم : هو مجبول على الشح؟ يريدون تمكن الشح فيه ، لأن الأمور الخلقية أثبت من العارضة ، والدليل عليه أنه أسند ترك الإيمان به إليهم على عقبه ، وهو قوله : (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ). انتهى. وهو على طريقة الاعتزال والتشبيه بين السلكين ، يقتضي تغاير من حل به. والمعنى : مثل ذلك السلك في قلوب قريش ، سلكناه في قلوب من أجرم ، لاشتراكهما في علة السلك وهو الإجرام. قال ابن عطية : أراد بهم مجرمي كل أمّة ، أي إن هذه عادة الله فيهم ، أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب ، فلا ينفعهم الإيمان بعد تلبس العذاب بهم ، وهذا على جهة المثال لقريش ، أي هؤلاء كذلك ، وكشف الغيب بما تضمنته الآية يوم بدر.
قال الزمخشري : فإن قلت : ما موقع (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) من قوله : (سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ)؟ قلت : موقعه منه موقع الموضح والملخص ، لأنه مسوق لثباته مكذبا مجحودا في قلوبهم ، فاتبع بما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد ، ويجوز أن يكون حالا ، أيّ سلكناه فيها غير مؤمن به. انتهى. ورؤيتهم العذاب ، قيل : في الدنيا ، وقيل : يوم القيامة. وقرأ الجمهور : (فَيَأْتِيَهُمْ) ، بياء ، أي العذاب. وقرأ الحسن ، وعيسى : بتاء التأنيث ، أنث على معنى العذاب لأنه العقوبة ، أي فتأتيهم العقوبة يوم القيامة ، كما قال : أتته كتابي ، فلما سئل قال : أو ليس بصحيفة؟ قال الزمخشري : فتأتيهم بالتاء ، يعني الساعة. وقال أبو الفضل الرازي : أنث العذاب لاشتماله على الساعة ، فاكتسى منها التأنيث ، وذلك لأنهم كانوا يسألون عذاب القيامة تكذيبا بها ، فلذلك أنث. ولا يكتسى المذكر من المؤنث تأنيثا إلا إن كان مضافا إليه نحو : اجتمعت أهل اليمامة ، وقطعت بعض أصابعه ، وشرقت صدر القناة ، وليس كذلك. وقرأ الحسن : بغتة ، بفتح الغين ، فتأتيهم بالتاء من فوق ، يعني الساعة.