وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى التعقيب في قوله : (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) قلت : ليس المعنى يراد برؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة فيه الوجود ، وإنما المعنى ترتبها في الشدة ، كأنه قيل : لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم العذاب مما هو أشد منها ، وهو لحوقه بهم مفاجأة مما هو أشد منه ، وهو سؤالهم النظرة. ومثل ذلك أن تقول : إن أسأت مقتك الصالحون ، فمقتك الله ، فإنك لا تقصد بهذا الترتيب أن مقت الله يوجد عقيب مقت الصالحين ، وإنما قصدك إلى ترتيب شدة الأمر على المسيء ، وأنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين. فما هو أشد من مقتهم؟ وهو مقت الله. ويرى ، ثم يقع هذا في هذا الأسلوب ، فيحل موقعه. انتهى. (فَيَقُولُوا) ، أي كل أمّة معذبة : (هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) : أي مؤخرون ، وهذا على جهة التمني منهم والرغبة حيث لا تنفع الرغبة. ثم رجع لفظ الآية إلى توبيخ قريش على استعجالهم عذاب الله في طلبهم سقوط السماء كسفا وغير ذلك ، وقولهم للرسول : أين ما تعدنا به؟
وقال الزمخشري : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) ، تبكيت لهم بإنكاره وتهكم ، ومعناه : كيف يستعجل العذاب من هو معرض لعذاب يسأل فيه من جنس ، ما هو فيه اليوم من النظرة والإمهال؟ طرفة عين فلا يجاب إليها. ويحتمل أن يكون هذا حكاية توبيخ ، يوبخون به عند استنظارهم يومئذ ، ويستعجلون هذا على الوجه ، حكاية حال ماضية ووجه آخر متصل بما بعده ، وذلك أن استعجالهم بالعذاب إما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم ، وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن. فقال عز وعلا : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ)؟ أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل؟ ثم قال : وهب أن الأمر كما يعتقدون من تمتعهم وتعميرهم ، فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ، ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم؟ انتهى. وقيل : اتبع قوله : فتأتيهم بغتة بما يكون منهم عند ذلك على وجه الحسرة. (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) ، كما يستغيث إليه المرء عند تعذر الخلاص ، لأنهم يعلمون في الآخرة أن لا ملجا ، لكنهم يقولون ذلك استرواحا. وقيل : يطلبون الرجعة حين يبغتهم عذاب الساعة ، فلا يجابون إليها.
(أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) : خطاب للرسول عليهالسلام بإقامة الحجة عليهم ، في أن مدة الإرجاء والإمهال والإملاء لا تغني إذا نزل العذاب بعدها. وقال عكرمة : سنين ، عمر الدنيا. انتهى. وتقرر في علم العربية أن أرأيت إذا كانت بمعنى أخبرني ، تعدت إلى مفعولين ، أحدهما منصوب والآخر جملة استفهامية. في الغالب تقول العرب : أرأيت زيدا