تلك الكلمة ، ـ كانت سبب ضلالة لمن سمعها. وعلى كون الضمير عائدا على كل أفاك ، احتمل أن يكون يلقون استئناف إخبار عن الأفاكين ، واحتمل أن يكون صفة لكل أفاك ، ولا تعارض بين قوله : (كُلِّ أَفَّاكٍ) ، وبين قوله : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) ، لأن الأفاك هو الذي يكثر الكذب ، ولا يدل ذلك على أنه لا ينطق إلا بالإفك ، فالمعنى : أن الأفاكين من صدق منهم فيما يحكى عن الجني ، فأكثرهم مغتر.
قال الزمخشري : فإن قلت : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، و (ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ ، هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) ، لم فرق بينهن وبين إخوان؟ قلت : أريد التفريق بينهن بآيات ليست في معناهن ، ليرجع إلى المجيء بهن ، ويطريه ذكر ما فيهن كرة بعد كرة ، فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي أسندت كراهة الله لها ، ومثاله : أن يحدث الرجل بحديث ، وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية ، فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه. انتهى. ولما ذكر الكهنة بإفكهم الكثير وحالهم المقتضية ، نفي كلام القرآن ، إذ كان بعض الكفار قال في القرآن : إنه شعر ، كما قالوا في الرسول : إنه كاهن ، وإن ما أتى به هو من باب الكهانة ، كما قال تعالى : (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ) (١) ، وقال : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) (٢).
فقال : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ). قيل : هي في أمية بن أبي الصلت ، وأبي عزة ، ومسافع الجمحي ، وهبيرة بن أبي وهب ، وأبي سفيان بن الحارث ، وابن الزبعري. وقد أسلم ابن الزبعري وأبو سفيان. والشعراء عام يدخل فيه كل شاعر ، والمذموم من يهجو ويمدح شهوة محرمة ، ويقذف المحصنات ، ويقول الزور وما لا يسوغ شرعا. وقرأ عيسى : والشعراء : نصبا على الاشتغال ؛ والجمهور : رفعا على الابتداء والخبر. وقرأ السلمي ، والحسن بخلاف عنه ، ونافع يتبعهم مخففا ؛ وباقي السبعة مشددا ؛ وسكن العين : الحسن ، وعبد الوارث ، عن أبي عمرو. وروى هارون : نصبها عن بعضهم ، وهو مشكل. (وَالْغاوُونَ) ، قال ابن عباس : الرواة ، وقال أيضا : المستحسنون لأشعارهم ، المصاحبون لهم. وقال عكرمة : الرعاع الذين يتبعون الشاعر. وقال مجاهد ، وقتادة : الشياطين. وقال عطية : السفهاء المشركون يتبعون شعراءهم.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) : تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول ،
__________________
(١) سورة الحاقة : ٦٩ / ٦٩.
(٢) سورة الحاقة : ٦٩ / ٤١.