خلقا لهم وعادة ، كما قال لبيد ، حين طلب منه شعره : إن الله أبدلني بالشعر القرآن خيرا منه. ولما ذكر : (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) ، توعد الظالمين هذا التوعد العظيم الهائل الصادع للأكباد وأبهم في قوله : (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).
ولما عهد أبو بكر لعمر رضياللهعنهما ، تلا عليه : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ، وكان السلف الصالح يتواعظون بها. والمفهوم من الشريعة أن الذين ظلموا هم الكفار. وقال الزمخشري : وتفسير الظلم بالكفر تعليل ، وكان ذكر قبل أن الذين ظلموا مطلق ، وهذا منه على طريق الاعتزال. وقرأ ابن عباس ، وابن أرقم ، عن الحسن : أي منفلت ينفلتون ، بفاء وتاءين ، معناه : إن الذين ظلموا يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله ، وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات ، وهو النجاة. (وَسَيَعْلَمُ) هنا معلقة ، وأي منقلب : استفهام ، والناصب له ينقلبون ، وهو مصدر. والجملة في موضع المفعول لسيعلم. وقال أبو البقاء : أي منقلب مصدر نعت لمصدر محذوف ، والعامل ينقلبون انقلابا ، أي منقلب ، ولا يعمل فيه يعلم ، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. انتهى. وهذا تخليط ، لأن أيا ، إذا وصف بها ، لم تكن استفهاما ، بل أي الموصوف بها قسم لأي المستفهم بها ، لا قسم. فأي تكون شرطية واستفهامية وموصولة ، ووصفا على مذهب الأخفش موصوفة بنكرة نحو : مررت بأي معجب لك ، وتكون مناداة وصلة لنداء ما فيه الألف واللام نحو : يا أيها الرجل. والأخفش يزعم أن التي في النداء موصولة. ومذهب الجمهور أنها قسم برأسه ، والصفة تقع حالا من المعرفة ، فهذه أقسام أي ؛ فإذا قلت : قد علمت أي ضرب تضرب ، فهي استفهامية ، لا صفة لمصدر محذوف.