الملائكة بقولهم : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) (١). والطريق الثاني : أن إمهاله الشيطان وتخليته حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين فأسند إليه ، لأنه المختار المحكي ببعض الملابسات. انتهى ، وهو تأويل على طريق الاعتزال.
(أُوْلئِكَ) : إشارة إلى منكري البعث ، و (سُوءُ الْعَذابِ) : الظاهر أنه ليس مقيدا بالدنيا ، بل لهم ذلك في الدنيا والآخرة. وقيل : المعنى في الدنيا ، وفسر بما نالهم يوم بدر من القتل والأسر والنهب. وقيل : ما ينالونه عند الموت وما بعده من عذاب القبر. وسوء العذاب : شدته وعظمه. والظاهر أن (الْأَخْسَرُونَ) أفعل التفضيل ، وذلك أن الكافر خسر الدنيا والآخرة ، كما أخبر عنه تعالى ، وهو في الآخرة أكثر خسرانا ، إذ مآله إلى عقاب دائم. وأما في الدنيا ، فإذا أصابه بلاء ، فقد يزول عنه وينكشف. فكثرة الخسران وزيادته ، إنما ذلك له في الآخرة ، وقد ترتب الأكثرية ، وإن كان المسند إليه واحدا بالنسبة إلى الزمان والمكان ، أو الهيئة ، أو غير ذلك مما يقبل الزيادة. وقال الكرماني : أفعل هنا للمبالغة لا للشركة ، كأنه يقول : ليس للمؤمن خسران البتة حتى يشركه فيه الكافر ويزيد عليه ، وقد بينا كيفية الاشتراك بالنسبة إلى الدنيا والآخرة. وقال ابن عطية : والأخسرون جمع أخسر ، لأن أفعل صفة لا يجمع إلا أن يضاف ، فتقوى رتبته في الأسماء ، وفي هذا نظر. انتهى. ولا نظر في كونه يجمع جمع سلامة وجمع تكسير. إذا كان بأل ، بل لا يجوز فيه إلا ذلك ، إذا كان قبله ما يطابقه في الجمعية فيقول : الزيدون هم الأفضلون ، والأفاضل ، والهندات هنّ الفضليات والفضل. وأما قوله : لا يجمع إلا أن يضاف ، فلا يتعين إذ ذاك جمعه ، بل إذا أضيف إلى نكرة فلا يجوز جمعه ، وإن أضيف إلى معرفة جاز فيه الجمع والإفراد على ما قرر ذلك في كتب النحو.
ولما تقدم : (تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ) ، خاطب نبيه بقوله : (وَإِنَّكَ) ، أي هذا القرآن الذي تلقيته هو من عند الله تعالى ، وهو الحكيم العليم ، لا كما ادعاه المشركون من أنه إفك وأساطير وكهانة وشعر ، وغير ذلك من تقوّلاتهم. وبنى الفعل للمفعول ، وحذف الفاعل ، وهو جبريل عليهالسلام ، للدلالة عليه في قوله : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (٢). ولقي يتعدى إلى واحد ، والتضعيف فيه للتعدية ، فيعدى به إلى اثنين ، وكأنه كان غائبا عنه فلقيه فتلقاه. قال ابن عطية : ومعناه يعطي ، كما قال : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (٣).
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ١٨.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٩٣.
(٣) سورة فصلت : ٤١ / ٣٥.