وقال الحسن : المعنى وإنك لتقبل القرآن. وقيل : معناه تلقن. والحكمة : العلم بالأمور العملية ، والعلم أعم منه ، لأنه يكون عمليا ونظريا ، وكمال العلم : تعلقه بكل المعلومات وبقاؤه مصونا عن كل التغيرات ، ولا يكون ذلك إلا لله تعالى. وهذه الآية تمهيد لما يخبر به من المغيبات وبيان قصص الأمم الخالية ، مما يدل على تلقيه ذلك من جهة الله ، وإعلامه بلطيف حكمته دقيق علمه تعالى. قيل : وانتصب (إِذْ) باذكر مضمرة ، أو بعليم ؛ وليس انتصابه بعليم واضحا ، إذ يصير الوصف مقيدا بالمعمول.
وقد تقدم طرف من قصة موسى عليهالسلام في رحلته بأهله من مدين : في سورة طه ، وظاهر أهله جمع لقوله : (سَآتِيكُمْ) و (تَصْطَلُونَ) ، وروي أنه لم يكن معه غير امرأته. وقيل : كانت ولدت له ، وهو عند شعيب ، ولدا ، فكان مع أمه. فإن صح هذا النقل ، كان من باب خطاب الجمع على سبيل الإكرام والتعظيم. وكان الطريق قد اشتبه عليه ، والوقت بارد ، والسير في ليل ، فتشوقت نفسه ، إذ رأى النار إلى زوال ما لحق من إضلال الطريق وشدة البرد فقال : (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) : أي من موقدها بخبر يدل على الطريق ، (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) : أي إن لم يكن هناك من يخبر ، فإني أستصحب ما تدفؤون به منها. وهذا الترديد بأو ظاهر ، لأنه كان مطلوبه أولا أن يلقي على النار من يخبره بالطريق ، فإنه مسافر ليس بمقيم. فإن لم يكن أحد ، فهو مقيم ، فيحتاجون لدفع ضرر البرد ، وهو أن يأتيهم بما يصطلون ، فليس محتاجا للشيئين معا ، بل لأحدهما الخبر إن وجد من يخبره فيرحل ، أو الاصطلاء إن لم يجد وأقام. فمقصوده إما هداية الطريق ، وإما اقتباس النار ، وهو معنى قوله : (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) (١).
وجاء هنا : (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) ، وهو خبر ، وفي طه : (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) (٢) ، وفي القصص : (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) (٣) ، وهو ترج ، ومعنى الترجي مخالف لمعنى الخبر. ولكن الرجاء إذا قوي ، جاز للراجي أن يخبر بذلك ، وإن كانت الخيبة يجوز أن تقع. وأتى بسين الاستقبال ، إما لأن المسافة كانت بعيدة ، وإما لأنه قد يمكن أن يبطىء لما قدر أنه قد يعرض له ما يبطئه. والشهاب : الشعلة ، والقبس : النار المقبوسة ، فعل بمعنى مفعول ، وهو القطعة من النار في عود أو غيره ، وتقدم ذلك في طه. وقرأ الكوفيون : بشهاب منونا ، فقبس بدل أو صفة ، لأنه بمعنى المقبوس. وقرأ باقي
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ١٠.
(٢) سورة طه : ٢٠ / ١٠.
(٣) سورة القصص : ٢٨ / ٢٩.