قضوا بأنه في حق من هو خير منهم أبعد. وقيل : معنى (بِأَنْفُسِهِمْ) بأمهاتهم. وقيل : بإخوانهم. وقيل : بأهل دينهم ، وقال (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) (١) فسلموا على أنفسكم أي لا يلمز بعضكم بعضا ، وليسلم بعضكم على بعض.
(لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) جعل الله فصلا بين الرمي الكاذب والرمي الصادق ثبوت أربعة شهداء وانتفاؤها. (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا) فهم في حكم الله وشريعته كاذبون ، وهذا توبيخ وتعنيف للذين سمعوا الإفك ولم يجدّوا في دفعه وإنكاره واحتجاج عليهم بما هو ظاهر مكشوف في الشرع من وجوب تكذيب القاذف بغير بينة والتنكيل.
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) أي في الدنيا بالنعم التي منها الإمهال للتوبة (وَرَحْمَتُهُ) عليكم في الآخرة بالعفو والمغفرة. (لَمَسَّكُمْ) العذاب فيما خضتم فيه من حديث الإفك يقال : أفاض في الحديث واندفع وهضب وخاض. (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) لعامل في (إِذْ لَمَسَّكُمْ). وقرأ الجمهور (تَلَقَّوْنَهُ) بفتح الثلاث وشد القاف وشد التاء البزي وأدغم ذال (إِذْ) في التاء النحويان وحمزة أي يأخذه بعضكم من بعض ، يقال : تلقى القول وتلقنه وتلقفه والأصل تتلقونه وهي قراءة أبيّ. وقرأ ابن السميفع (تَلَقَّوْنَهُ) بضم التاء والقاف وسكون اللام مضارع ألقى وعنه (تَلَقَّوْنَهُ) بفتح التاء والقاف وسكون اللام مضارع لقي. وقرأت عائشة وابن عباس وعيسى وابن يعمر وزيد بن عليّ بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف من قول العرب : ولق الرجل كذب ، حكاه أهل اللغة. وقال ابن سيده ، جاؤوا بالمتعدي شاهدا على غير المتعدي ، وعندي أنه أراد يلقون فيه فحذف الحرف ووصل الفعل للضمير. وحكى الطبري وغيره أن هذه اللفظة مأخوذة من الولق الذي هو الإسراع بالشيء بعد الشيء كعدد في أثر عدد ، وكلام في أثر كلام ، يقال : ولق في سيره إذا أسرع قال :
جاءت به عيسى من الشام يلق
وقرأ ابن أسلم وأبو جعفر تألقونه بفتح التاء وهمزة ساكنة بعدها لام مكسورة من الألق وهو الكذب. وقرأ يعقوب في رواية المازني تيلقونه بتاء مكسورة بعدها ياء ولام مفتوحة كأنه مضارع ولق بكسر اللام كما قالوا : تيجل مضارع وجلت. وقال سفيان : سمعت أمي تقرأ إذ تثقفونه يعني مضارع ثقف قال : وكان أبوها يقرأ بحرف ابن مسعود. ومعنى (بِأَفْواهِكُمْ) وتديرونه فيها من غير علم لأن الشيء المعلوم يكون في القلب ثم يعبر عنه اللسان ، وهذا الإفك ليس محله إلّا الأفواه كما قال (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) (٢).
__________________
(١) سورة الحجرات : ٤٩ / ١١.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٦٧.